علي حسينهناك أكثر من احتمال في قضية رئيس مفوضية الانتخابات، فإما أن فرج الحيدري سارق ويستحق العقوبة، أو انه ضحية صراع بين أطراف العملية السياسية، أو أن الأمر يتعلق بمتهم لم تثبت إدانته حتى هذه اللحظة. شخصيا أتمنى أن يكون الاحتمال الأول هو الحقيقة لأسباب عدة.وأول هذه الأسباب انه من المؤلم والمحزن أن نجد مجلس القضاء الأعلى يصدر بيانا يقول فيه إن قرار توقيف الحيدري جاء بناءً على قيامه بصرف مكافآت لموظفي التسجيل العقاري لقيامهم بتسجيل قطع الأراضي المخصصة له من ميزانية المفوضية العليا للانتخابات.
ولم يتركنا البيان نضرب أخماسا في أسداس، ولم يعطنا فرصة واحدة لأن نفكر بأن القضية ربما ستحل بالترضية بين الأقوام المتصارعة على المناصب والغنائم، فالمجلس لم يكتف بالإدانة، بل حدد المدة التي سيقضيها رئيس المفوضية في السجن وهي سبع سنين لن تزيد يوما ولن تقل ساعة واحدة، ونسي البيان أن يدلنا على المكان الذي سيقضي فيه المتهم سنواته العجاف هذه. وأول ما يدعو لتمنّي ثبوت الاحتمال الأول، أنه من المؤلم والمحزن للغاية أن نجد القضاء يتحدث آناء الليل وأطراف النهار عن قيم العدالة وضرورة تطبيق القانون على الجميع، ثم يضعنا معه في ورطة حين يصدر بيانا جديدا يؤكد فيه أن الحيدري أطلق سراحه بكفالة مالية.. وبهذا يعطي القضاء فرصة للحاقدين والمتربصين من أمثالي للطعن بقراراته وربما يذهب بي الصلف الى السخرية من بياناته. وبعيدا عن المناوشات التي جرت بين مقربي رئيس الوزراء وبعض الكتل السياسية، وبعيدا عن البيانات والتصريحات الملتبسة والمزدوجة التي أصدرها مجلس القضاء، فان الخطورة تكمن لو أن الحيدري لم تثبت إدانته، عندها فان الناس لا يمكن لها بعد ذلك أن تثق بقضاء تحركه دوافع ونوازع ثأرية وسياسية، فضلا عن أن هؤلاء الناس أنفسهم يدركون جيدا خطورة ان يخضع القضاء لتأثيرات جهة سياسية معينة.. لأن الراسخ في أذهان العراقيين ان أولى بشائر الديمقراطية في العراق كانت في الإعلان عن تشكيل قضاء يقف إلى جانب الصدق والحق والعدل. وبناء عليه ندعو الله صادقين أن يكون الحيدري مذنبا، وان تخرج السيدة حنان الفتلاوي منتصرة ظافرة، وان تثبت الأدلة أن دولة القانون محقة في معركة كسر العظم مع مفوضية الانتخابات، وأن يثبت بالدليل القاطع أن رئيس المفوضية لم يمنح 500 ألف دينار مكافآت وإنما انفق أكثر من عشرين مليار دولار على تجهيز المواطنين بساعتين كهرباء في اليوم، وانه مصر على أن يضحي بآخر درهم في ميزانية العراق من اجل إقامة اتحاد الفهود العربية بين العراق والصومال وجيبوتي وجزر القمر، نتمنى ذلك ونرجوه، حرصا على صورة القضاء، وخوفا على السيدة حنان الفتلاوي من أن تصاب بارتفاع حاد في الضغط.. صحيح أن المعركة انتهت بخروج الحيدري وزميله، لكن الثابت أن العملية اكبر بكثير من قضية مبالغ صرفت بدون ضوابط، فالأمر أولا وأخيرا يتعلق بانتخابات مجلس المحافظات والتي لا يريد لها البعض ان تجرى بإرادة حرة مستقلة عن أشاوس دولة القانون.. وصحيح أيضا أن مكتب رئيس الوزراء من حقه استخدام كافة الوسائل لضمان استمرار مقربيه من الجلوس على أنفاس الناس، ولكن الذي لا يفهمه الناس كيف يوافق مجلس القضاء على تسليم مفاتيح البلاد إلى السيد المالكي ومقربيه. كانت الناس تتوقع أن يساهم القضاء في مساعدتهم على دخول المستقبل، وبناء دولة حديثة تمنح حق التعدد السياسي والثقافي، دولة تقوم على أساس حق المواطنة لا حق الساسة، وعلى العدالة والمساواة لا على توزيع الغنائم بين الأصحاب والأحباب.لم يقدم العراقيون تضحياتهم خلال أربعة عقود من أجل اعادة إنتاج سلطة دكتاتورية جديدة، بمكياج ديمقراطي وبانتخابات عرجاء، ولم يتوقع العراقيون أن تتحول البلاد الى ورقة يانصيب فاز بها السيد المالكي وأعضاء دولة القانون، ولم يتوقعوا أن يخرج عليهم رئيس الوزراء بعد يوم واحد من صولة بالهراوات وأساليب السحل الحديثة قامت بها قواته المظفرة ضد متظاهرين مسالمين في ساحة الفردوس، عازفاً على "القانون" نغمة: "انهم يريدون إعادة ثقافة البعث".
العمود الثامن :الحكومة تعزف على "القانون"
نشر في: 15 إبريل, 2012: 10:47 م