حيدر شيخ علي*لم تكن التصريحات المعادية للشعب الكردستاني التي أطلقها بعض الوزراء والنواب مؤخراًً، مقلقة إلا بقدر تعلقها بمستقبل الديمقراطية في العراق، انطلاقاً من فكرة أن حقوق الشعب الكردستاني، تتحقق في ظل نظام ديمقراطي. فمن أجل العراق الديمقراطي الفيدرالي المزدهرالذي يتعايش فيه العرب والكرد وباقي القوميات
في وئام وسلام، رفعت القوى السياسية الكردستانية مطلب الديمقراطية للعراق في المقدمة من القضايا التي كافحت من أجلها، وقدمت التضحيات في سبيل تحقيقها، وجهدت بعد التغيير بمشاركة القوى التي تؤمن بالعراق الديمقراطي لتضمين الدستور قيم الديمقراطية والتحضر.rnوأصبحت مبادرات هذه القوى في تقديم الحلول المقبولة من لدن كل الأطراف حاضرة لحل كل أزمة يشهدها الحكم في العراق، كان آخرها مبادرة السيد مسعود بارزاني رئيس الإقليم، التي لولاها لما تشكلت الحكومة الحالية. لذلك حين يؤشر رئيس الإقليم المشاكل والمعوقات التي تحيط بالعراق اليوم، ويحذر من مخاطر لا تحمد عقباها، إنما يمارس دوراً مهماً وضرورياً للعراق الجديد. لكن اللافت انه وبدلاًً من استقبال هذه الآراء في إطار الحرص على إخراج العراق من أزمته الحالية، وعدم انحدار الأمور إلى الهاوية، جاءت الحملة العنصرية التي شملت سمومها الشعب الكردي برمته، وأعادت إلى الأذهان خطاب الكراهية والأحقاد، الذي ساد طيلة فترة حكم البعث المقبور، حيث مازال هذا الخطاب راسخاً لدى البعض، ينهلون منه ويرددون دون أدنى وجل التهديد بالتهجير والإبعاد والتهميش، ويشحنون ماكنة الحقد والاستعلاء القومي، مؤكدين في ذلك، بما لا يقبل الشك، أن البعث أزاح التراب عن قبره، إن كان قد طمر أصلاً، ونهض من جديد، لينذرنا شؤماً، بأن الحصارات المدانة وحملات التهجير المشؤومة مازالت خيارات العقول التي تحلم كالعصافير، بالعودة إلى ممارسات البعث المقبور وأساليبه في الإقصاء والتهميش، دون اتعاظ من التجارب المريرة السابقة، التي ألحقت الخراب بالعراق كله قبل أن تلحقه بكردستان وحده. فيما لم تتوقف العدالة من مطاردة كل من ارتكب أثماً بحق الشعب العراقي، ولن يفلت من العقاب كل من اقترفت يداه جرماًً بحق المناهضين لحروبه العدوانية وسياساته الطائشة ودكتاتوريته البغيضة.ويتعين التأكيد هنا أن الشعب الكردستاني، لا تهزه التصريحات العدوانية، فمازالت ذاكرته طرية، وهو في عز قوته للدفاع عن قضاياه العادلة، بالأطر الدستورية والشرعية السلمية، وانه موحد من أجل قضاياه الإستراتيجية، ويتوهم من يراهن على غير ذلك. وإذ تُقابل التصريحات العدوانية التي تثير الكراهية والحقد بالشجب،فهذا ينطلق من الحرص على التحول الديمقراطي الذي تطلع إليه العراقيون، حيث يتطلب في ما يتطلب، خطابا آخر يتناسب مع قيم الدستور التي حرّمت العدوان والعنصرية. كما حوّلها مجلس النواب إلى قانون، هو قانون المساءلة والعدالة الذي حاكم، بمعنى ما، سياسات النظام المقبور وممارساته المدانة، وفي نفس الوقت وضع ما يفترض انه حدا لعودة كل فكر عنصري وسلوك شوفيني. حين يتابع المرء أزمة نظام الحكم في البلاد التي لا يبدو أن هناك مخرجاً لها، ضمن الحلول المتبعة القائمة على إدارتها بافتعال الأزمات، وأحد تجلياتها الجديدة، اصطناع المشاكل مع الإقليم، إنما يتيقن أن التحول الديمقراطي، في خطر ماحق، لذا لا بد من التمعن قليلا في ما علمتنا إياه التجارب:1- إن خطاب الكراهية والعنصرية والاستعلاء والتهميش أصبح في متحف التاريخ، ليس لكونه سقيما ومرفوضا ومرتبطا بإرث الديكتاتورية المقبورة وحزبها المنحل وحسب، وإنما لأن المستقبل هو لخطاب التعايش المشترك والسلام وحقوق الإنسان وكرامته، وهذا من بين دروس انتفاضات الشعوب في العديد من البلدان العربية وثوراتها على أنظمة حكامها المستبدين.2- أكدت التجربة فشل اللجوء إلى التهديد بالحرب والعدوان، حيث جربت ذلك كل الأنظمة المتعاقبة على حكم العراق قبل التغيير، ولم تنجح، لكنها وفي مقابل ذلك، خلقت قوة مقاومة لدى الشعب الكردستاني، تجعله عصياً على الانحناء أمام أي جبروت. 3- النظام الديمقراطي هو حاضنة الفيدرالية، وبناء الفيدرالية يعد حلاً ديمقراطياً يمكن إيجازه بالتوزيع العادل للسلطات والموارد بين الحكومة الاتحادية والإقليم. كما أن تقرير المصير هو حق مشروع، فحق تقرير مصير الشعوب كبيرها وصغيرها، هو ضمن مبادىء الأمم المتحدة والمواثيق الدولية، وهو إحدى سمات عصرنا الحالي، لذا ليس هناك من معنى للتطير من هذا الحق.4- الديمقراطية تتحمل الرأي والرأي الآخر، لكن الانتقاد ومناقشة الآراء شيء وشن الهجمات الواسعة والمنظمة على شعب آمن ومسالم شيء آخر. 5- الدستور هو الوثيقة التي يتطلب الالتزام بها، وأن أي تجاوز على الدستور هو تجاوز على خيار الشعب العراقي، وأن أي تعديل على الدستور يجب أن ينطلق من آليات الدستور ذاتها.6- إن النفط والغاز هما من موارد الشعب العراقي، ومن يحرص على تنظيم إدارة هذه الثروات عليه عدم المماطلة في تشريع قانون النفط والغاز، أما التهريب الذي يدور الحديث عنه، إنما هو مرفوض وغير مقبول، بل هو سرقة للثروات الوطنية من أي منفذ كان.7- إن نسبة 17% التي يحصل عليه
الالتزام بالدستور مفتاحنا لحلّ الأزمات
نشر في: 16 إبريل, 2012: 07:13 م