حاوره :يوسف المحمداوي(1-2)سلطان الشعر لم يتنازل عن إمارة التواضع،والباحث عن حقيقة الأشياء،قال لي في فرحة زمن لم أتوقعها،ووفرتها لي المؤسسة: إن الكبار لا تصنعهم المواقف بل هم من يصنعونها، ليبرهن لي وأعتقد لآخرين أن جائزة نوبل التي لم تحظ بتقبيل يده نادمة على عزوفها عن مصافحة ذلك الطفل الكبير والخبير في كل شيء،
لا أخفيكم قلقي وأنا أحاور ذلك المحيط الذي جاد ببحور من المعرفة ، ولكن زال ذلك القلق عندما هممت بالدخول إلى صالة استقبال فندق روتانا في أربيل، بعد أن وجدت المهاب قد سبق الموعد بحضوره ليزيل توتّري بفنجان قهوة رافقته ابتسامة شممت منها رائحة الكرم وروح الشرق وحفاوة ورد لا يبخل بعطره،ولا يميز بجوده بين غني وفقير،إنه ضيف المدى بمعرضها السابع للكتاب الشاعر العربي علي أحمد سعيد المعروف بأدونيس الذي أكد لها أنه ليس مع السلطة القائمة في سوريا،ولكنه ضد الأساليب المتبعة في تغييرها،لكونها نفس طبيعة الأساليب التي يقوم عليها الطغيان،موضحاً بأنه غير مضطر للانتقال من نير إلى نير ومن فاشية عسكرية إلى فاشية دينية.وبشأن ما يحدث من صراع طائفي في المنطقة قال الشاعر أدونيس إنه مسار لتاريخ العرب منذ 1500سنة،ونتاج طبيعي لتراكمات ماض مازال العرب متمسّكين به،ويرى أن الحل يكمن في عاملين أولهما،فصل الدين عن السياسة ،وثانيهما إحداث قطيعة معرفية مع الماضي ،متهماً أغلب المثقفين بالمشاركة في الصراع الطائفي ،وهناك محاور أخرى يتضمنها نص الحوار الآتي:rnأنا بحاجة إلى تفسير لا أعرفه× اشترطت أن يكون الحوار خالياً من الأسئلة التقليدية أو المكررة،لذا سنبدأ الحوار بحريق السيارة الذي توفي فيه والدك وهل كان بداية أحزان رحلة أدونيس؟ - أولاً البدايات لا بدايات لها،لأنه دائما هناك بذور تنمو بشكل أو بآخر،لكن الحريق الذي مات فيه الوالد بالنسبة لي كان الذروة،لكوني لم أرَ مشهد الحادث ،لذا تجدني في ذلك الوقت لم أستطع حتى أن أبكي.×هل من تفسير لعدم البكاء ؟ - لا أعرف...لكن مع الوقت وكلما تقدم بي الزمن مبتعداً عن يوم الحادث زمنياً ، شعرت بأني أقترب منه أكثر، يوغل في المضيّ، وتراني أوغل في الاقتراب منه،هو نواة أساسية في تجربتي وتحتاج إلى وقت طويل لفهم طبيعة تلك العلاقة بين الإيغال في المضي والإيغال في الاقتراب،فأنا كما ذكرت لم أستطع البكاء وكذلك لم أستطع حتى الكتابة عن الحادث إلى يومنا هذا.×الإيغال بعدم البكاء أو عدم الكتابة عن الحادث ألا يولّد لديك شعوراً بالذنب؟ -أقول لك باختصار :أنا بحاجة إلى تفسير لا أعرفه.rnالعرب تقدّموا كأفراد لا كمجتمعات×فلنترك حريق الأب ونذهب إلى حرائق الوطن العربي،فهناك قطبان دينيان يحكمان العرب تقريباً،هما القطب الشيعي الذي تقوده إيران،والقطب السني وتقوده السعودية،التيار العلماني أو الديمقراطي أين هو مما يحدث؟ -ما يحصل هو مسار لتأريخنا العربي منذ 1500 سنة وإلى يومنا هذا،وما نراه لم يفاجأني شخصياً،لأننا كعرب لدينا ميل عميق وتشبّث شبه كياني باتجاه الماضي وإلى ترسيخ الأصول التي ينهض عليها هذا الماضي،فما يحدث لم أتفاجأ به كما قلت،ولكن ما يفاجئني أنّ جميع الحركات التي قامت باسم التقدم أو باسم اليسار،وخصوصا تلك التي قامت باسم اليسار،بدأ من القرن العشرين المنصرم ،وحتى الآن لم تستطع أن تغيّر أي شيء في ذلك الماضي أو في هذا الموروث،مع العلم أن العرب لديهم تقدم ملموس على صعيد التربية وكذلك على صعيد المعرفة وحتى على صعيد التقنية،ولكنهم تقدموا كأفراد ،وإذا ما نظرت إليهم كأفراد،قد تجدهم لايقلون أهمية عن أي شعب متقدم في العالم،هناك متفوقون عرب كأفراد في جميع الميادين،لكن مع ذلك بقيت الأسس القديمة التي تشير إليها هي السائدة بل هي من توجّه الحياة العربية وثقافاتها،وهذا يعني إذا لم نفتّش ونبحث عن مؤسسات وأسس تربية جديدة،وكذلك أسس لثقافة وعلم اجتماع جديدين ونمنهج تلك الأسس لن يحدث أي تغيير في أي شيء،فأنا لا أحب أن أنظر إلى العرب اليوم بالمنظار الشائع الشيعي والسني،وإنما أنظر إليهم جميعا وفق مبدأ المواطنة كمواطنين.rnمعظم المثقفين ساهموا في الصراع×أنت تنظرهكذا ولكن ما يحصل على أرض الواقع خلاف ما تنظر إليه أو تؤمن به ،ويمارسه حتى بعض المحسوبين على الوسط الثقافي؟ -نعم أنا شخصياً كما قلت أؤمن باحترام المواطنة قبل كل شيء،كما أؤمن بأن هذا الصراع لا يؤدي لشيء سوى إلى المزيد من التفتت والتحزب،وما يؤلمني ويؤسفني جداً أنّ معظم المثقفين اندرجوا في لوائح هذا الصراع وساهموا فيه بذرائع مختلفة،وأنا شخصياً خارج هذا الصراع ،ولذلك لا أرضي أحداً،فكلتا الجهتين المتصارعتين تنتقدني ولست بالمفاجأ بانتقادهما.rnلابد من قطيعة معرفية مع الماضي×برأيك ماهو السبيل للخروج من هذا المأزق؟ -لا يمكن الخروج وحل هذه المشكلة ،إلا القيام بعملين أولهما :هو الفصل الكامل بين ماهو ديني من جهة،وماهو سياسي ،ثقافي،اجتماعي اقتصادي من جهة ثانية،يعني الفصل الكامل، فالدين للفرد وليس للمجتمع،والعمل الثاني هو إحداث قطيعة معرفية مع هذا الماضي ك
أدونيس للمدى: لست مضطرّاً للانتقال من فاشيّة عسكرية إلى أخرى دينية
نشر في: 17 إبريل, 2012: 06:29 م