عمّار أبو رغيف(1-2)بعد اثنين وثلاثين عاماًما زال مثاراً للأسئلة الكبيرة، ومشهداً يبعث علی الإعجاب والدهشة والعجب، لم تمله اليراعة، والقوافي لم تبرح استلهامه. وسيبقي السيد محمد باقر الصدر إشكالياً في فكره وفي تاريخ مسيرة أيامه، وفي رؤاه وآفاقه، حتی يحدث الله أمراً لا ندري ما هو، ومتى سيكون، وكيف سيؤول أمرنا وأمر الناس مع القادم من أقدار!
أما قدري اليوم فهو أن أتحدث عنه من جديد حديثاً قد لا يكون سامياً مبتكراً، علی غرار ابتكاراته وسمو معانيه، غير أن رغبة عارمة تستحوذ علی قلمي، وتدفعه بعنف ليحرر ويقول ما لابد أن يقال، بل كل ما ينبغي قوله قولةً لا توارب، أستدعي مخيلتي التي ملأتها صوره منذ أمد سحيق، وأطرح كل الأسئلة التي بوسعي الوقوف عليها، وأحتكم إلی معطيات الواقع لأجيب بعدل وإنصاف عما يسعفني الواقع في الإجابة عليه، وأستدعيه مستفتياً إياه في ما لا يسعفني الواقع فيه، فأجيب وفق مبانيه ما وسعني بذل الجهد في تحرير الإجابة عليه.قد يكون لهذه الرغبة ما يسوغها عقلانياً، ذلك أن الإبقاء علی الصدر تاريخاً وفكراً وإبداعاً حكراً بيد من يريد الاحتكار عمل غير صحيح وغير مشروع. لقد تنبهت في ما مضی إلی هذا المسوغ، فاستحضرت السيد الأستاذ مستعيناً بخياله الخصب فقلت:هذا في ما مضی أما اليوم فالأدعی أن تتحكم عقلانية رشيدة في فهم ودرس هذا الرجل التأريخي علی قاعدة الموضوعية وحرية الرأي. وأنّى لنا ذلك وللضرورات أحكام تمليها اليوم أبشع أ شكال الغرائز، ويفرضها عدوان دموي طائفي يجتاح المحيط كله، ومن ثمَّ لا يزال الالتباس سيد الموقف.وبانتظار فجر جديد لذنا بفجره مسترشدين بعقلانيته وجرأته لنقول ما هو مشروع قوله في ظل ما تسعه أحكام الواقع، وفي ضوء زجاجة كوكبة، أصلها من بغداد، وزيتها من شجرة زيتونة تجذرت في هضاب جبال عاملة، حيث مهجر أجداده الراحلين إليها من العراق. ومن العراق إلی العراق وردنا حرمه القدسي نلتمسه ونتمثله:في حضرتك يا طيب القلب أريد أن أتأوه وأتفاءل، أريد أن أبثك حزني الذي استوحيت أخصبه من عمق أحزانك الفريدة. وفي حضرتك أبحث في عواصف الرمال عن آمال ذهب بعضها في مهب أردان يفرضها سوء الطالع، أما ما تخيلت بقاءه من هذه الآمال فهو رهن الملاذ بك. سأكابر بائس الإحباط وألوذ بصومعة أحلامك، لأحلم فيما تثيره من عجب ودهشة، وفيما تبعث عليه من إعجاب وجلال.سألتمسك مستأذناً لأبدأ الخطاب عفوياً، محذوفاً منه ما تفرضه مهابتك من ألقاب التبجيل وما تتطلبه لغة الخطاب الرسمي.. سأستهدف مناجاتك متحللاً من قيود لغة التعارف، وسأكون مباشراً لأتحدث عن أعماق مشاعري وصدق أسئلتي، فلك الخطاب:عجيب أنت من تجلٍ مليء بالتحفيز! يقيناً أنك قد غادرت الجموع إلى عالم التفرد، لكنك الموقظ المستفِز وأنت تضاجع أهل القبور، يقيناً إن جسدك الطاهر قد أمض به الرصاص والبارود، وذهبوا به منذ اثنتين وثلاثين من السنين العجاف إلى الوادي المقدس، وقد تعب التراب من ثقل المدثر به فتنقلوا بجثمانك، وجل مضاجعيه لا يفقهون حديثه، بل شبعوا موتاً وإمحاء من الذاكرة. أما أنت فلم تبرح الذاكرة من أن تحار بك. أشغلت العراقين، وخاطبت الخافقين. وعبرت الحدود وأنت ظاهرة تستدعي قراءتها استدعاءً قاهراً قهر الحب لمريديه، وإرغام المنازل العنيد لخصومه ومنافسيه!عجيب أنت من نصٍ تنوعت قراءاته وتنوع قراءه، وعجيبة هي نصوصك، إنها المتون التي يحفر في كلماتها طلاب الشريعة والحقيقة، يتأبطها الزاهدون بمتاع الدنيا، الذين يفترشون الأرض، ويصدحون في المساجد. ويقرأها بجد علی مناضد القاعات المرفهون من الحكماء وقادة الرأي علی تنوع مشاربهم. حقاً إن نصوصك العجب العجاب، تعشقها العامة ويتخذها بعضهم زبراً دون أن تقرأ، بل تقدس علی رفوف، وتتسع لتشظي الخطاب، تتسع للقراءات التي تكسر القيود وتعبر الحدود، وأنت ابن الحدود وخبرت صناعة القيود المنطقية الصارمة.عجيب أنت من حالم جسور، وعجيبة مراضع أحلامه وعجيب خفاء روافدها، إنها من جنس أسرار الكائنات، وأقرب إلى هواتف كشوف العشاق ومواجيد العارفين في غرابة نسجها ونسيجها. من أين أتى لهذا الفتی اليتيم الفقير فقراً محبطاً كل هذا الطموح، بل طماح الطموحات، الذي أخذه أن ينافس مشيخة الفقهاء وأساطين الأصوليين، وفي عرض ذلك تمادى في أخذه إلی زبوري الاقتصاد «ثروة الأمم» و«رأس المال» ليباري النبيين آدم سميت وكارل ماركس، فيخبرهما أن النبوة قد ختمت، وأنّى لابن فقه الطهارة أن يعمّل أدواته ويؤسس علی قاعدة «العلم الإجمالي» نظرية في الاحتمال، أدخلت النجف في ميدان المباراة مع جهابذة حكماء الغرب!كان حالماً أن يدافع عن الوحي ويفسد أحلام النبيين، وأن يكون ما يحرره من نظرية في الاقتصاد بديلاً عن تحليلات «رأس المال» فكتب عن تناقضاته في تحليل تناقضات المذهب الرأسمالي! هذا هو حلمه اليقظ. أما أحلام الطليعة من أبناء جيله والأجيال التي احتضنته فكانت أن تذهب مواهب اليتامی وأبناء الفقراء والمحرومين لتصطف مع جحافل الشبيبة العمالية وتناصر
محمّد باقر الصّدر مثارٌ للأسئلة
نشر في: 17 إبريل, 2012: 08:06 م