TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الهويّة الوطنيّة في مهبّ الهويّات الصغرى (3)..التباس الهويّة

الهويّة الوطنيّة في مهبّ الهويّات الصغرى (3)..التباس الهويّة

نشر في: 18 إبريل, 2012: 07:25 م

سعدون محسن ضمدهل أنت شيعي أم سني؟تعرضت مؤخراً لهذا السؤال بشكل متكرر، ودائما أسأل نفسي قبل الجواب: فعلاً، هل أنا شيعي أم سني؟ ثم أضحك في داخلي، وأفلت من الجواب بابتسامة اعتذار.لكنني وأمام إلحاح أحد أولئك المتسائلين أجبت مستفزاً: لا هذا ولا ذاك فأنا لا ديني..لكن، ولأن اللادينية لم تستطع إلى الآن أن تشكل هوية، باعتبار أنها في الأصل انقلاب على الهوية الدينية، ولأن للهوية جذراً لا ينفع الانقلاب عليه. عاد سائلي يكرر مُلحَّاً:
مع ذلك وبعيداً عن الإيمان بالدين من عدمه، هل أنت شيعي أم سني.. عندها أجبته مستسلماً: إذا كنت مصرّاً فأنا من عائلة جنوبية تنحدر من محافظة ميسان. عندها ابتسم بوجهي وهو يقول: إذن أنت شيعي.كان الرجل يريد أن يتحدث دون خوف لذلك ألح في سؤاله، ولذلك علينا أن نفهم الأسباب التي تجعل موضوع الهوية ملتبساً إلى هذا الحد، أي إلى حد يجعلها شرطاً في توفير بيئة آمنة حتى بالنسبة للأحاديث اليومية. فما معنى أن يكون الفرد منا (شيعياً أو سنياً، أو مسيحياً أو عربيا أو كرديا.. الخ) ولماذا تشكل هذه المسميات هوية، تعتبر أكثر حضوراً وتأثيراً في الجماهير، من الهوية الوطنية؟الجواب على هذا السؤال يبقى عسيراً إذا لم نعالج التباس مفهوم الهوية. ولذلك ومن أجل الالتفاف على عقدة المفهوم في السؤال سأحاول أن أعالجه من نواح عدة:rnأولاً: الوعي بالهوية:يعود بنا الجذر الأساس للهوية، إلى الوعي، فهذا الجذر مفهومي، مركوز في الوعي، إذ الهوية نتاج لاحق على وعي الإنسان بذاته وصياغته مفهوم الأنا الخاص به، فبعد تشكل الملامح الأولى للشخصية وشعور الفرد باستقلاله كذات واعية، يأخذ بتقسيم مفردات المحيط انطلاقاً من هذه الذات وبالاستناد إليها. أي، يعمل على تقسيم مفردات المحيط وأشيائه، إلى ما له وما ليس له، كل المفردات، سواء أكانت بشرية أم مادية أم معنوية، فأفراد المجتمع ينقسمون إلى عائلته وقبيلته، وإلى غير هؤلاء، وبقية الأشياء تنقسم أيضاً، إلى ما له وما لغيره.. الهوية بهذا المعنى هي عملية تقسيم للمحيط وإعادة تعريفه تعريفاً ينطلق من الذات التي تريد أن تضع حدوداً بين ما لها وبين ما ليس لها.بعبارة أخرى، نستطيع أن نقول بأن الهوية هي دائرةُ ملكيةٍ تتسع انطلاقا من ذات الإنسان لتشمل كل ما يحيط به ويمكن أن يرتبط به بنحو من أنحاء الارتباط، فتبدأ دائرة الملكية بالنسبة لأي إنسان يقوم بتعريف ذاته لذاته، بالانطلاق من صفاته التي تميز شخصيته، فيفهم أن من بين جميع الصفات المحتملة هو يمتلك حيزاً معيناً من هذه الصفات،  صفاته هو، ثم يتوسع قليلاً، فيفهم أن من بين جميع الأفراد الموجودين في المجتمع هناك مجموعة محددة يرتبط بهم ويرتبطون به وهؤلاء من يمثلون أهله وأقاربه، أي ما له من الأفراد، وربما ما يملكه.ثم يتوسع للأشياء المحيطة به، فمن بين البيوت هناك بيته، ومن بين الأراضي هناك أرضه، ومن بين القرى قريته أو مدينته أو بلده، ومن بين المجتمعات مجتمعه، ومن بين الأملاك أملاكه، وأمواله وأدواته وووو الخ. ولأن الإنسان مصلحي بطبعه، فسيسعى لتوسيع هذه الدائرة ما تمكن من توسيعها، فليس هناك من مبرر يدفع المواطن البصري للاعتقاد بأن حدود الأرض التي تشكل ملجأ له تتوقف عند محافظة البصرة، إلا إذا حدث طارئ ساعد على ترسيخ هذا الاعتقاد.rnاستثمار الهويةيتأسس على عملية إعادة تعريف المحيط إلى ما للفرد وما ليس له، جذر آخر من جذور الهوية، وهو الجذر المصلحي، إذ الفرد القائم بالتعريف يعي بأن الجماعة الخاصة به، تحميه، وتضمن حقوقه، وتساعده على تجاوز أزماته، لذلك هو يحرص على اكتساب هذه الامتيازات والحفاظ عليها، ما يجعله مستعداً لتوفير جميع الشروط اللازمة لتحقيق هذه الغاية. ومن هنا يرضخ الفرد لقيم الجماعة وعاداتها وقوانينها ويؤمن بمعتقداتها، حرصاً منه على تماسكها، إذ الجماعة المتماسكة أقدر من غيرها على حماية امتيازاته.rnالولاء للهويةالمستوى اللاحق للمستويين الأولين هو مستوى الولاء، فترَسخ الارتباط بين الفرد وبين مفردات هويته إلى الدرجة التي يشعر معها بأن أي خطر يهدد هذه المفردات يهدده هو، يؤدي بصورة مباشرة لتبلور الولاء، الذي هو رفض يتوجه من قبل الفرد لأي خطر يهدد الجماعة ولو كان خطراً معنوياً لا يؤثر تأثيرات مادية مباشرة. فالذي ينتقد مقدسات الجماعة الفكرية، إنما يهدد تماسكها، باعتبار أن المقدسات مادة لتماسك الجماعة، ما يعني بأن الاعتداء عليها يمثل خطراً داهماً على الجماعة بأفرادها، وهكذا يتبلور الولاء للجماعة ولكل ما تؤمن به وتحترمه، ويتبلور من هذا الولاء معتقد الجماعة الذي يتسالم عليه أفرادها ويحرصون على حمايته.إذاً وبعد هذا العرض الموجز نستطيع أن نفهم بأن المذهب السني هو معتقد جماعة أهالي الأنبار (مثلا)، وبالتالي هو ملمح من ملامح هوية الأنباري، وكذلك الكردية بالنسبة للأربيلي، وما علينا أن نتساءل بشأنه هو: لماذا تطفح السنية أو الكردية أو الشيعية إلى السطح وتزاحم العراقية، خاصة وأن الإسلام يمكن أن يكون الملمح (المعتقدي) الذي يجمع هويات هذه المكونات الثلاث؟الجواب يعود بنا  إلى الجهة التي يأتي منها التهديد للجماعة، هذا التهديد الذي يشعر معه كل أفرادها بأنهم عرضة لخطر داهم. وملابسات أحداث ما بعد 2003 هشمت الهوية العراقية لأنها ساعدت على إيجاد تهديدات مختلفة للعراقيين..لنتذكر (مثلا) المعايير التي قُسمت على أساها الحظ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram