TOP

جريدة المدى > سينما > (أحدب بغداد) للمخرج بحر كاظم..رحلة من أسْر الجسد إلى مشارف النبوءة

(أحدب بغداد) للمخرج بحر كاظم..رحلة من أسْر الجسد إلى مشارف النبوءة

نشر في: 18 إبريل, 2012: 07:31 م

لندن / عدنان حسين أحمدلم يختر المخرج بحر كاظم موضوع فيلمه الوثائقي (أحدب بغداد) لأن بطله ثابت الآلوسي كان شخصية مثيرة للجدل بكل ما تنطوي عليه هذه العبارة من معنى، بل لأنه موضوع إنساني وتعاني منه شريحة معينة من الناس. فقد قيل الكثير بحق هذا الرجل سلباً وإيجاباً، فهناك مَنْ يراه أفاقاً ودجّالاً ومُشعوِّذاً، وهناك مَنْ يراه شخصاً موهوباً تجاوز حدود محنته الجسمانية
 وتغلَّب على التشوّه الخلقي الذي ألمَّ به منذ سن السادسة حتى الثانية عشرة نتيجة سقوطه من مكان مرتفع جداً أقعدهُ طريح الفراش في المستشفى إلى أن أصبح على ما هو عليه كشخص أحدب لا يستطيع أن يزاول نشاطاته اليومية بحرية تامة، في العراق تحديداً، لأنه يتعرّض إلى مضايقة الصغار له، وسخرية بعض الكبار من حدَبَته التي لا دخل له في تكوِّنها.rnا شكّ في أن اختيار المخرج كان دقيقاً في انتقاء الفكرة الرئيسية التي سيبني عليها فلمه الوثائقي القصير الذي لم يجتز الإحدى عشرة دقيقة وهي عاهة الإحديداب التي أصابته جرّاء سقوطه من مكان شاهق وإصابته بالشلل الذي أقعده لمدة ست سنوات، لكنه تماثل للشفاء وأصبح قادراً على المشي في مجتمع (يراه هو قاسياً، وظالماً، وينظر للأحدب على أساس أنه إنسان غير طبيعي) وربما تمتد هذه الرؤية لتشمل كل ذوي الاحتياجات الخاصة. يصف ثابت الآلوسي حياته في العراق في مرحلتي الطفولة والشباب بأنها صعبة ومريرة جداً لأنه إذا مشيَ في محلّة أو شارع فإن الأطفال يتجمهرون خلفه مُردِّدين (أبو حديبة، شقّوا جيبه بالسكّينة)، ولا يتوانى بعضهم من رجمه بالحجارة وهو الذي يجد صعوبة في المشي، ولا يستطيع الهروب والنفاذ بجلده، فلاغرابة إذاً حينما يتجنّب الركوب في الحافلات، ويتفادى التنقّل في المواصلات العامة، إذ وجد في سيارات التاكسي خلاصاً من هذه عبث الأطفال ومشاكستهم، وسخرية بعض الحمقى من الكبار الذين لا يجدون حرجاً في تجريحه وإيذاء مشاعره الداخلية المرهفة. حينما ترسّخ لديه هذا الإشكال لم يستعمل الآلوسي المواصلات العامة حتى في البلدان الأوروبية وبضمنها ألمانيا التي عاش فيها مدة طويلة من الزمن قبل أن ينتقل إلى لندن ليعيش ويعمل فيها مُجترحاً شهرته الدولية التي طبقت الآفاق فعلاً. آخذين بنظر الاعتبار أن الأوروبيين عموماً يبجِّلون ذوي الاحتياجات الخاصة ويحدبون عليهم، وثمة أمكنة خاصة بهم في الحافلات والقطارات وعربات المترو وما إلى ذلك. يُورد الآلوسي مثالاً مُؤلماً سيعتمده المخرج بحر كاظم كفكرة رئيسية يبني عليها سياق فلمه الوثائقي والرسالة الأخلاقية التي يروم إيصالها إلى المتلّقي. يقول الآلوسي بأنه حينما كان في سن السادسة عشرة ذهب لزيارة ابن خالته في منطقة الفَضل الشعبيّة حيث أوصله سائق التاكسي إلى مكان معين كان يتوجب عليه أن يترجّل من السيارة ويمشي لمسافة محددة في زقاق ضيق، ولم يستغرب هو التجمّع السريع لنحو عشرين طفلاً أخذوا يردِّدون هذه اللازمة المُفجعة (أبو حديبة، شقّوا جيبه، بالسكّينة) ويضربونه بالحجارة وهو القصير، العاجز الذي لا يعرف إلى أين يهرب، وبمِن يلوذ؟ وحينما طلب النجدة من بعض الكبار في المحلة صادف شخصاً أحمق لئيماً قال له: (لماذا لا نمدِّدكَ على الأرض، وندع سيارة تمر بإطارها على ظهركَ لكي تعدّل حدبتك)؟ لقد طعنت هذه الفكرة قلب الآلوسي وأدْمتهُ، وأثرّت فيه، ودفعتهُ لأن يبتعد عن هذا المجتمع (الظالم) الذي يريد أن يعدِّل حدبته بعجلات سيارة! لقد هيمن عليه هذا الهاجس المخيف ودفعه إلى مزيد من العزلة، وصار يقف أمام المرآة طويلاً محاولاً تعديل حدبته الناتئة وإبراز صدره المقعَّر، غير أن جهوده العبثية كانت تذهب أدراج الرياح. لم تكن هذه الحادثة المؤلمة هي الوحيدة في حياته، فإذا كان الإنسان الأحمق الكبير الذي صادفناه قبل قليل ساذجاً ولئيماً فما بال الطبيب الذي صادفه الآلوسي في مستشفى اليرموك وهو يحاضر لبعض الطلبة المتدربين حينما قال لتلاميذه بأن هذا الأحدب، الذي طلب منه الاقتراب قليلاً، سوف يموت في سن الأربعين لأنه أحدب ويمتلك رئة صغيرة لا توفر له الكمية الكافية من الأوكسجين. أمَا كان الأجدر به أن يحترم هذا الشخص المُعاق الذي صادف أن يكون ملِّماً باللغة الإنكليزية ويعرف تماماً ما الذي قاله بصدد موته المرتقب؟ وفي لقطة مؤازرة لهذا المشهد يظهر الآلوسي مرتدياً جهاز التنفّس الاصطناعي الذي يستعمله ليلاً لكي ينام نوماً مريحاً لا تتخلله المصاعب التنفسية. لقد تثبتت عقدة الأحدب في داخل الآلوسي، لكنها خلقت فيه بالمقابل عنصر التحدي، الأمر الذي دفعه إلى تأسيس صحيفة (أحدب بغداد) وقد أطلق هذه التسمية من التصوِّر الذي تولّد لديه بأنه يقاتل أعداءه بذات السلاح الذي يشهرونه عليه، غير أن هذا الأحدب يقول بالفم الملآن بأنه طموح، وحالم كبير، ولدية تطلعات مثل بقية البشر، وأكثر من ذلك فهو فلكي، بحسب ادعاءه، يتنبأ بالمستقبل، ويقرأ الغيب بأكثر من طريقة منها قراءة الكف، وقراءة البلورة الروحانية، والتمعّن في رواسب القهوة في الفنجان، وخاتم الحظ، وإيقاد الشموع الملونة. لا يقدّم المخرج بحر كاظم مَشاهد طويلة في هذا الصدد، لأن هدفه الأساسي كما أشرنا سابقاً هو التركيز على الإشكالات التي تولدها عقدته الجسمانية وما ينجم عنها من مشكلات جدية تؤرقه ليل نهار. ومع ذلك فقد رأيناه وهو يقرأ خطوط

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram