سعاد الجزائريتتشابه وتتساوى في العدد حروف الكلمتين: الأمل والألم، لكن شتّان ما بينهما من ناحية المعنى وقيمته في الحياة، ولو أن البعض منا ساوى بينهما،ذلك أن لا قيمة عنده لكل من المعنيين.أمل المدرس، صوت صبّح على الناس لعقود لم تقل عن الخمسين عاما، سمعه الناس عبر الإذاعة، وصارت هوّيتها عند الكل ذلك الصوت الرخيم.
تعرفت عليها في بريطانيا عام 2004 عندما كرمت من إحدى المنظمات البريطانية التي تقيم حفلا سنويا، يكرم نساء العام تحت اسم (امرأة العام)، وكانت أمل بين أهم الأسماء حينذاك، بل كانت ضيفة الشرف.وقفت أمام حشد منتقى من نساء بريطانيا، وباقي الدول الأوروبية، تحدثت بحزن أبكى الكثير عن وطنها الذي بدأ يذوي رويدا رويدا، لكن الجميع شعر بأهمية العراق وعظمته من حب هذه المرأة. التقينا بعدها عدة مرات، أثناء علاج ابنها كنعان، الذي عانى كثيرا من مرض الثلاسيميا، ويعز علي اليوم ان اقول (رحمه الله) فقد توطدت علاقتي به، أثناء تواجدهما في لندن، فشعرت انه ابني الذي لم ألده.عدت للعراق والتقيتها مرة أخرى، ثم باعدت بيننا الأيام بسبب الصراع الطائفي الذي أجبرني على ان اعيش في منطقة عزيزة علي، في أربيل. وبقيت هي في بغداد التي لم تستطع فراقها.لم نلتق بعد ذلك لفترة طويلة من الزمن، لكني فجعت يوم سمعت بخبر محاولة اغتيالها. ترى ما الذي فعلته امل لكي تستحق من ابناء شعبها هذا العقاب؟ فخلال معرفتي بها لم استطع ان اعرف الى أي جهة تميل سياسيا، بل كانت في وسط المواقع واهمها على الاطلاق، في قلب العراق. ولا اعرف حتى الآن ان كانت شيعية ام سنية، ولا اريد ان اعرف، لان ذلك لن يغير من قيمتها عندي، التي ازدادت بسبب عدم وضوح طائفتها.التقيتها قبل أيام، جاءت لتعيد إصدار أوراقها العراقية بعدما اخذ منفذ عملية الاغتيال حقيبتها التي حوت كل وثائقها، ليثبت لأمرائه وسادته أن عملية الاغتيال تمت بنجاح، وحقيبتها دليل على ان الطلقة وصلت لهدفها.جاءت من بعيد، مغطاة بالأسود من رأسها حتى أخمص قدميها، وقد لبست نظارة سوداء، لا ادري ان كانت تريد اخفاء نفسها، او لسبب صحي، فقد أصيبت إحدى عينيها بأضرار بليغة.رغم التغيير الذي طرأ عليها، لكن القاتل لم يستطع ان يغتال او يصيب بأذى طيبتها ووداعتها، وصوتها الذي ما أن تتحدث حتى تشعر بأنك في حضن عراق حنين.لا يعرف احد من الذي عالج أمل المدرس على حسابه، ولا ادري ان كان يرضى ان يذكر اسمه ام لا، وهناك تكمن عظمة الذي يقدمون عونا من اجل العون، وليس من اجل الإعلام أو لكي تتضخم صورتهم على حساب صورة الضحية.تغيّر وجه أمل، ولكنها بقيت من الداخل كما هي، وفي الوقت الذي تضعها بريطانيا بمصاف أهم نساء العالم وتكرمها، يحاول البعض في العراق إسكات صوتها.أثناء علاجها أحيلت على التقاعد، وبدلا من أن تقوم الدولة بتحمل تكاليف علاجها حتى النهاية، يتم اقتطاع أكثر من نصف المبلغ الذي يمنح إداريا، بعد إنهاء الخدمة، لأنها، وكما اخبروها، لم تلتحق بالعمل!!! وكأنها كانت في إجازة سياحية. بهذه الطريقة نكرم رموزنا! يقتطع حقها في الوقت الذي تتم سرقة ملايين الدولارات دون أن يكلف احد نفسه حتى بالبحث عن السارق، ويتم تمييع القضية بإثارة قضايا أكثر فضائحية، وهكذا يتم عندنا تغييب السرقات والسارقين.رأيت أمل بعد غياب طويل لكن نصفها حمل الأمل، والنصف الآخر جسد كل الألم.
بين قوسين: أمل المدرس:نصفها أمل والآخر ألم
نشر في: 21 إبريل, 2012: 01:38 م