أحمد عبد الحسين كثرتْ في الآونة الأخيرة حوادث استهداف مسؤولين في بيوتهم وأماكن عملهم بقنابل صوتيّة، في الأسبوع الماضي فقط حدث ذلك ثلاث مرات مع ثلاثة مسؤولين.تكرار الأمر يثبت "أولاً" أن الإرهابيين قادرون على الوصول أينما شاءوا، و"ثانياً" قدرتهم على قتل المسؤولين هؤلاء إنْ أرادوا، و"ثالثاً" عدم رغبتهم في القتل بل الاقتصار على إخافتهم وعوائلهم فحسب.
القنابل الصوتية التي تُلقى على بيوت المسؤولين الآمنة وعوائلهم عمل إرهابيّ ولا شكّ، لكنها ـ بالقياس إلى القنابل الحقيقية التي تنهال على سائر العراقيين ـ مجرد لعبة ومزاح وعتب بين حبايب لكنه عتب ثخين نوعاً ما، بحيث يبدو أن الجماعة يوصلون رسائل لبعضهم البعض عن مدى قدرتهم على الوصول إلى غرمائهم وتهديد عوائلهم، لكنّ اتفاقاً "أخلاقياً" بينهم، اتفاق جنتلمان، أن الأمر لن يصل إلى حدود القتل، فالقتل لسائر الناس من العامّة والدهماء والرعاع أمثالنا، لكنّ الأمر بين المسؤولين لا يعدو كونه استعراض قوّة وربما يحمل شيئاً من التسلية يتندرون به خلال لقاءاتهم أو في مكالماتهم التلفونية.المافيات تفعل ذلك، مافيات العوائل المعروفة لا تجرؤ "أخلاقياً" على قتل حلفائها، بعضهم يغامر ويتعرّض لمخاطر من أجل إيصال رسالة تخويف "سلميّة" لغريمه، فمثلاً، حين يختلف زعيم عصابة مع زعيم آخر يكلّف أفراد عصاباته بالتسلل إلى غرفة نوم غريمة ويخطّ بأحمر الشفاه الخاص بزوجة الغريم كلمات تهديد على المرآة.هذه الرسالة المخيفة بليغة جداً وقد رأيتها في فيلم ما عن مافيات إيطالية. وفي الفيلم العراقيّ الطويل والمملّ تفعل المافيات شيئاً شبيها بهذا، ثمة عقد ضمنيّ "أخلاقيّ" أن لعبتنا التي تدرّ علينا المال والسلطة والجاه واستعباد الناس وإذلالهم لا يجب أن نصل بها إلى درجة أن يقتل بعضنا بعضاً، ولماذا نقتل بعضنا ما دام العراقيون ـ بوصفهم مواضيع للقتل وطرائد جاهزة للصيد ـ موجودين بكثرة وينتخبوننا دائماً كلما استعبدناهم أكثر فأكثر.ماذا؟ هل أسمعك أخي أيها القارئ تعترض عليّ لأني أتهم سياسيين بتدبير أعمال إرهابية؟ ألم تعرف أن الحكومة اتهمتْ مسؤولين بالإرهاب؟ ألم تسمع بقضايا إرهاب كان المسؤولون غارقين فيها حتى العنق، ألم تعرف أنّ وزراء سابقين اغتالوا مسؤولين وهربوا، أنّ وزيراً متهماً بقتل أبناء نائب برلمانيّ، أنّ نائباً لرئيس الجمهورية يتهمه رئيس الوزراء بالإرهاب ؟!دعك من كلّ ذلك. ألم تسمع وترَ خطبة الشيخ عبد المهدي الكربلائيّ أول من أمس والتي قال فيها بالحرف الواحد: " إن شخصا قريباً من مركز اتخاذ القرار أبلغني ذات مرة بانه نصح عائلة دينية زارت العراق بعدم الذهاب الى مدينة الكاظمية لوجود معلومات بحدوث انفجار فيها في اليوم التالي، وفعلاً حصل ذلك الانفجار".كان الشيخ الكربلائيّ يتحدث عن انفجار حقيقي يموت فيه بشر، ولهذا نصح المسؤولُ الكبير ضيفه بعدم الذهاب لأن هناك مأدبة لحم ودم عراقية سوف تقام في الكاظمية، يمون فيها رعاع ودهماء العراقيين بقنبلة حقيقية مميتة مصنوعة في دول الجوار لنا خصيصاً. أما القنابل الصوتية فهي وإنْ كانت من نفس المنشأ إلا انها صُنعتْ لتسلية مسؤولينا الكبار وإعطائهم دفقة إثارة يكسر وقتهم الطويل المملّ المملّ.
قرطاس :قنابل تسلية!
نشر في: 28 إبريل, 2012: 05:59 م