سرمد الطائييعد السيد نوري المالكي من اغرب رؤساء الحكومات على وجه الكرة الارضية حاليا، فهو نموذج نادر لرئيس وزراء حكومة ائتلافية يجري سحب الثقة عنه 5 مرات في اليوم، لكنه باق في منصبه. وبدل ان يناقش مع شركائه في اجتماع وطني او مؤتمر وطني او حتى "لقاء كتلوي" اعتراضاتهم التي جعلته يتعرض لعملية "سحب الثقة" 5 مرات في اليوم، فإنه يحرك فريقه لاعتقال فرج الحيدري مرة، او لمحاولة الهيمنة على السلطات النقدية والبنك المركزي مرة ثانية.. او باتهام رئيس حكومة تركيا بأنه طائفي، كما قد يتشاغل عن ذلك بالتحضير
لـ"حل المشكلة النووية الايرانية" عبر استضافة لمجموعة 5 زائداً 1 وهي تمثل كل عمالقة النفط الذين يطورون صناعة النفط في جنوب العراق، اي شركاءنا، الى جانب ايران التي لا تبحث عن حل كما يعرف الجميع.. اي انه اجتماع سيجلس خلاله 6 من شركائنا العمالقة الصناعيين، مقابل صديقتنا النووية التي تخاصمهم جميعا!وبالفعل فإنك تقرأ في يوم واحد اكثر من 5 تصريحات تعني نظريا ان الثقة جرى سحبها من المالكي، رغم اننا نعرف ان الموضوع ليس بالسهل عمليا، وان واشنطن تريد تثبيت صورة "عراق مستقر" يضعها الرئيس باراك اوباما على طاولته ليتفاخر حتى انتخابات نهاية السنة، بقصة "نجاح نادر" في عراق مستقر نسبيا ولديه "امن هش" رغم انه لا يمتلك سوى 12 جهاز مخابرات ومعلومات انفقنا عليها المليارات وهي تتعرض احيانا لنحو 20 هزيمة في ساعة واحدة، خلال عنف اعمى لا يسر عراقيا في الموالاة او المعارضة.وقد لا نحفل كثيرا بآخر الاشارات التي "تسحب الثقة نظريا" من المالكي، فأسامة النجيفي رئيس البرلمان يئس من محاولات عقد المؤتمر الوطني بالتعاون مع الرئيس جلال طالباني، فدخل على خط الازمة علنا، وتحدث بطريقة كبار المعارضين من كل الكتل النيابية عن "الازمة الخانقة".قد لا نحفل بانضمام النجيفي الى القصة، لكن ما يستحق ان يفكر فيه رئيس حكومتنا هو انه وقبل ان تصدر اشارات "السحب النظري للثقة" من زعماء القائمة العراقية او قادة التحالف الكردستاني، فإننا نسمعها على شكل اعتراضات واسعة ورهيبة يطلقها قادة المجلس الاعلى مثل عمار الحكيم وعادل عبد المهدي، وزعماء مهمين داخل التحالف الوطني (الشيعي) مثل احمد الجلبي وتسريباته عن الطريقة الكارثية التي تدار بها اموال امة ثرية جدا وفقيرة جدا.. وتصريحات أخرى يطلقها مقتدى الصدر زعيم الكتلة ذات الـ40 نائبا و5 وزارات.وحين سأل الاتباع المؤمنون الزعيم الروحي للتيار الصدري عن لقائه الاخير في طهران برئيس حكومة اقليم كردستان نيجرفان بارزاني، اجاب مقتدى الصدر بصراحة "التقيته اعزه الله وناقشنا كيف نمنع ظهور الدكتاتورية". وبالتأكيد فإن الصدر لا يقصد دكتاتورية قد يمارسها مفتش وزارة الصحة او مدير سكك حديد المحاويل، بل تتعلق بطريقة السيد المالكي في ادارة الدولة.وما حصل في اسطنبول قبل ايام ان رجب طيب اردوغان رئيس حكومة تركيا سمع سردا وتلخيصا من رئيس اقليم كردستان عن تجربة كل زعماء الكتل مع السيد المالكي طيلة 7 اعوام من الحكم. ومطابقا للوصف الذي ادلى به مقتدى الصدر، تحدث اردوغان عن خسارة كبيرة للعراق وجيرانه لو انحدرت بغداد نحو التفرد بالطريقة التي يفيدها تقييم رفيع طرحه كل رؤساء الكتل المهمة تقريبا.ويبدو لي اننا قد تجاوزنا مرحلة التفرد. فقد اصبح من الطبيعي ان يقوم الرجل بتطبيق "فلسفته" للحكم والتي يروج لها منذ 2008، وهو يضم شهريا جهازا مهما هنا وآخر هناك كمؤسسة ملحقة بمكتبه وهو يخطط لصياغة قانون مجالس المحافظات بما يكرس سلطات "والي بغداد"، ولم يعد هذا هو الخطير والجديد. بل الجديد في الامر ان المالكي راح يكتب قواعد مختلفة لطريقة ادارة العراق دون تشاور مع احد، ودون اي اكتراث باعتراضات ممثلي المئات من اعضاء البرلمان.وربما نقبل ان تصريح اردوغان تدخل "طائفي" في شؤوننا، وان اياد علاوي "موتور" وان الهاشمي متورط في 150 جريمة، وان المالكي سينجح في تصليح الكهرباء بعد 3 اعوام وعلى الشعب ان ينتظر بصمت.. ولكن كيف نفهم ان المالكي لا يكترث باعتراضات اهم شركائه، بوصفه صاحب الحق الاوحد، رغم انه يواجه كل يوم 5 من عمليات "السحب النظري للثقة"؟
عالم آخر:ألم يسحبوا الثقة عن المالكي؟
نشر في: 28 إبريل, 2012: 06:21 م