عدنان حسينتخيّلوا وحشاً ضارياً من النوع الذي تحدثت عنه الأساطير السومرية والبابلية والفرعونية واليونانية والرومانية والصينية والهندية، غولاً أو ما شابهه، مفرطاً في نهمه، لا يكلّ ولا يملّ من الأكل ولا يشبع مهما أكل. تخيّلوا إخطبوطاً مهولاً في حجمه، يمدّ أذرعه في كل الاتجاهات ويضرب كل ما يصادفه.
بهكذا صورة تتبدّى حكومتنا. فهي لا تنام في الليل ولا ترتاح في النهار، مشغولة بالاستحواذ على كل شيء، ولا تريد أن تترك أي شاردة أو واردة بعيداً عن هيمنتها وسطوتها. لم تكتف بالعمل على السيطرة على الشارع بمنع التظاهرات وحركات الاحتجاج الداعية إلى إصلاح العملية السياسية البائسة ومكافحة مظاهرها السلبية، فاجتاحت الهيئات المستقلة الواحدة بعد الأخرى، وقاومت سعي المحافظات للتمتّع بحقها الدستوري في اللامركزية وفي الفيدرالية.. اشترت منظمات بالهبات والعطايا غير الشرعية، وفتحت أبوابها لسقط المتاع من مخلفات نظام صدام البائد ومرتزقته لتأمين التصفيق لها والهتاف باسمها في مناسبة وفي غير مناسبة.بعد أن وضعت نقابة الصحفيين في جيبها تسعى الحكومة الآن إلى بسط سلطتها على نقابات العمال في تجاوز واضح على مبادئ الديمقراطية وأحكام الدستور التي تكرّس استقلالية المجتمع المدني بمختلف منظماته ونقاباته واتحاداته عن الحكومة، فمبادئ الديمقراطية وأحكام الدستور والشرائع الدولية لا تبيح للحكومة أن تمارس أي نفوذ أو تأثير على النقابات وسائر مكوّنات المجتمع المدني أو أن تتدخل في شؤونها بأي شكل من الأشكال.تعرقل الحكومة منذ سنوات استعادة الحركة النقابية دورها الحيوي في المجتمع بسبب خشيتها من تحول هذه الحركة إلى قوة اجتماعية مؤثرة.هناك عقلية تهيمن على الحكومة تنظر إلى حرية العمل النقابي باعتباره تخفيفاً وتقليلاً من سلطة الحكومة. ولذلك فقد سعت إلى فرض سلطانها على النقابات العمالية واتحادها العام وتنظيم انتخابات لنقابات العمال بإشرافها المباشر.هذا النمط من التصرفات ينتمي إلى الحقبة الشمولية التي من المفترض أنها انتهت في بلادنا منذ تسع سنوات.على مدى خمس وثلاثين سنة حرص حزب البعث على إحكام سيطرته على نقابات العمال وسائر النقابات، فحوّلها إلى فروع له تنفذ سياسته في قمع الحركة العمالية، بيد أن ذلك لم يفده في شيء عندما حانت ساعة سقوطه. فتلك القوة شبه العسكرية المرهوبة التي جنّدها النظام السابق لتنفيذ سياساته والتعبير عن مواقفه طارت مثل ريشة في مهب الريح في التاسع من نيسان 2003، بل قبل ذلك بكثير.الذين، من أركان الحكومة الحالية، يعتقدون بأنهم سينجحون في ما فشل فيه صدام واهمين، فقد ولى زمن الشمولية، وانتهى عهد الخوف، وفي مقابل كل نقابة مُدجّنة واتحاد موجّه من الحكومة ستنشأ نقابات واتحادات مهنية مستقلة كفل لها الدستور والشرائع الدولية حق الوجود وحق العمل بحرية.
شناشيل :غول الحكومة
نشر في: 28 إبريل, 2012: 06:22 م