عباس الغالبييتصارع هذان المصطلحان في عراق اليوم فيما بينهما إلى حد ينصرف الذهن الى أن المكان الخصب للفساد هو في أرض السواد ،فيما تعد هذه الأرض طاردة للنزاهة في جدلية متصارعة لإثبات قوة احدهما على الآخر. ولا يمكن لأحد أن ينكر حجم الفساد المستشري في الأجهزة الحكومية،
في وقت تعددت المؤسسات المتصدية لهذا الفساد، لكن حجم الفساد ومستوى نموه في تصاعد مستمر مع وجود هذه المؤسسات الرقابية المتمثلة بلجنة النزاهة النيابية وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة ودوائر المفتشين العامين فضلاً عن مجلس النواب كمؤسسة رقابية عامة من دون الاقتصار على لجنة النزاهة البرلمانية، حيث تتحدث معطيات الواقع عن قضايا فساد بعضها مهولة ومخيفة لم يتعامل معها القانون بجدية، بحيث ترك الفاسدون يسرحون ويمرحون من دون أدنى عقوبة رادعة لهم .وجرت العادة على ان يجري تسوية قضايا الفساد على وفق صفقات سياسية أو أن تستخدم كأوراق ضغط على جهة من قبل أخرى وبالعكس، ولم يتعامل مع هذه القضية أو تلك بمهنية إلا ما ندر الى حد جرى تقويض القانون وتحييد فقراته ، وهذه سابقة خطيرة تعرض لها القضاء العراقي .ولأن النزاهة نقيض الفساد ، فإن مؤسسات النزاهة تتطلع لإثبات مكانتها وتحجيم قضايا الفساد في ظل طغيان البعد السياسي ، لكنها تعاني شيوع الفساد على حسابها وهذه أزمة المشهد السياسي والاقتصادي معاً ، بعد أخذ البعد السياسي يسور القرار الاقتصادي ويجعله أسيراً له على الرغم من محاولات النزاهة ( المؤسسات الرقابية ) من تقويض الفساد الذي أخذ ينمو ويترعرع ، بحيث تحدث رئيس هيئة النزاهة السابق المستقيل عنوة رحيم العكيلي في احد المرات ، ان الفاسدين في العراق متفننون ، حيث لم تقدر الجهات التحقيقية الحصول على أوراق ثبوتية تؤكد حالة الفساد على الرغم من وجوده حقاً ، وهذا المسار الخطير يؤكد ان كفة النزاهة تتهاوى امام الفساد كمفهوم وكواقع عملي .والذي يدمي القلب ان بعض الجهات السياسية تحاول التغطية على الفاسدين وتوفر الحماية اللازمة لهم ، في وقت يفترض ان تعمل مع الجهات الرقابية على فضح الفاسدين وتسهيل مهمة المؤسسات الرقابية والأجهزة القضائية على الردع والمعاقبة على وفق القانون ، لا أن تضع الفاسدين في مناصب سعياً لتحقيق مكاسب مالية لأحزابهم ولهم شخصياً ، وهذه ظاهرة لافتة للنظر حتى وان حاول البعض التغطية عنها الا أنها مفضوحة الى حد اللعنة. وفي ظل هذا التصارع المقيت بين النزاهة والفساد يبقى الاقتصاد الوطني هو المتضرر الأكبر من الانعكاسات السلبية لحجم الفساد والعراقيل التي يخلقها لمسارات التنمية في العراق .
اقتصاديات :الفساد والنزاهة :الفساد والنزاهة
نشر في: 28 إبريل, 2012: 06:57 م