سرمد الطائيتابعت اليوم خبرين احدهما مفرح من السعودية وآخر يثير الحذر ويتعلق بإيران. فالرئيس الجديد للهيئة العامة للامر بالمعروف والنهي عن المنكر او ما يعرف بجهاز "المطاوعة" اصدر امرا مشددا يمنع فيه "المطاردات" التي يقوم بها "المطاوعة" وهم في الغالب رجال دين شباب يتولون ملاحقة كل تاجر لا يغلق محله وقت الصلاة، ومتابعة كل سيدة او فتاة لم يعجبهم حجابها، ويتضمن عملهم احيانا تصرفات خطيرة للغاية من قبيل مطاردات على طريقة "سباق السيارات"
تشهدها شبكة الطرق السريعة في مدن السعودية، وذلك حين يلمحون شابا يقود سيارته والى جواره فتاة ويعتقدون انها ليست زوجته او اخته.. وكثيرا ما ادى هذا النوع من "السباقات" الى حوادث مروعة على الطرق، وكثيرا ما كان الشاب المطارد بريئا لكنه وبسبب السمعة "الطيبة" للجماعة المطاوعة، يحاول ان ينفذ بجلده بأي طريقة للتخلص من القيل والقال والتحقيق والتعهدات وما الى ذلك من اهانات.ويبدو ان الضغوط ترجح كفة الاتجاه المعتدل داخل السعودية، ما ادى الى تعيين رئيس جديد للشرطة الدينية دشن عهده بمنع "السباقات الخطيرة" حفاظا على ارواح الناس، وهو ما سيعني تخفيف القيود الهائلة المفروضة على حريات الناس.الخبر يتزامن مع ما كتبت عنه مؤخرا بشأن ايران التي تشهد دعوات لالغاء العقوبات الجسدية القاسية التي تطبق على متعاطي المشروبات الروحية والذين جرى جلد 3 منهم هذا الاسبوع امام الجمهور، واولئك الذين يقيمون علاقات خارج نطاق الزواج حيث يرجمون بالحجارة حتى الموت. لكن دعوات واسعة تنطلق هذه الايام للحد من العقوبات الرهيبة واستبدالها بالسجن او الغرامة. وفي الحقيقة فإن اي تقدم يشهده ملف حقوق الانسان في المنطقة يمثل مكسبا للتيار المدني، خاصة واننا نبتلى بزعماء وسلاطين يودون ان يكشفوا ظهور كل الشعب لجلده او رجمه.اما الخبر الذي يثير الحذر ويتصل بإيران والعراق ونحن نسمعه غداة زيارة مهمة يقوم بها رئيس حكومتنا نوري المالكي لطهران، فقد جاء على لسان محما خليل عضو اللجنة الاقتصادية في برلماننا، اذ يحذر من زيادة الصادرات الايرانية نحو العراق والتي تحصل بسبب حاجة النظام هناك الى الدولار، والعراق اليوم افضل مسرح لهذه العملية بعد ان فرضت كل الدنيا قيودا شديدة على تمويل برنامج التسلح الايراني. والموضوع يؤكد اذن ما يقوله الخبراء من ان التلاعب بسعر دينارنا سببه تزايد صادرات ايران الينا وخروج كميات مضاعفة اضعافا من الدولار اليها.والامر بحاجة الى خبراء اقتصاد يشرحون كيف تتغير قواعد السوق بسهولة تجعل صادرات ايران ترتفع الى العراق برمشة عين؟ وهو لغز يصعب فهمه ويصعب تحديد من يتدخل لتسهيله، اذ ان سلع ايران تتنافس مع غيرها في سوقنا ولا بد من "فعل فاعل" يرجح كفتها ويخسرنا دولاراتنا الحبيبة التي نشتاق لها دون ان نشعر بأثرها الحقيقي.وفي الحقيقة فإن المتشددين حين يغلقون تحت الضغوط بابا من الشر، فإنهم يفتحون الف باب غيره. وانا اتخيل ان مشهد "المطاردات" التي يقوم بها عناصر الشرطة الدينية السعودية، يختزل رمزيا صورة اكبر من "المطاردات". وفي وسعي ان اتخيل ان الشعوب تتراكض على الطرق السريعة هاربة من ألف "مصيبة" تلاحقها اثر سياسات التشدد. وخلال "ركضة تاريخية" للشعوب الهاربة من التشدد على طريق سريع تمر عبره ايامنا الصعبة، يمكنك ان تتعرف على ملامح متنوعة للمتشددين. احدهم يطارد الشعوب وبيده سوط ويريد جلد كل شاب "مشبوه" او شابة "مشبوهة"، والآخر يحمل حجرا لرجم جزء من الشعب بتهمة ثانية. وخلال "الركضة" ذاتها على طريق التاريخ السريع، يأتي متشددون وهم يلوحون بقنابل نووية قيد الانشاء، ويحاولون اجبارك على شراء بضاعتهم بالدولار الامريكي، وذلك لتمويل صواريخهم واسلحتهم وشبكات العنف التي يديرونها عبر المنطقة. وحين تفرح برئيس شرطة دينية معتدل يوقف جزءا من المطاردات في السعودية او يستبدل العقوبات القاسية في ايران، فإن النوع الاخطر من التطرف يظل يطارد الامة على الشارع نفسه، لألف سبب ويشغلنا عن ملاحقة حاجاتنا الطبيعية كباقي خلق الله.لقد تعبنا من هذه "المطاردة" وقطعنا كل الطرق السريعة هاربين من التطرف، ولم نلتقط انفاسنا منذ مئات السنين.. اما هم فلا يكلون ولا يملون و"الشغلة عاجبتهم" كما يبدو، والخيار الوحيد للافلات من سياطهم الجلدية والنووية والنفطية هي "الاستمرار في الركض"!
عالم آخر:"مطاردة تاريخية" من السعودية الى ايران
نشر في: 28 إبريل, 2012: 07:19 م