هاشم العقابياذا امتهن الانسان السياسة، فهذا يعني انه دخل في عالم آخر يختلف عن عالمه الذي اعتاد العيش فيه. فالسياسة لها قيمها الخاصة التي تفرض، على من اختارها، سلوكا قد يتناقض مع ما اعتاد عليه من سلوك ولغة في حياته العامة. لذا نجد الناس البسطاء الذين لا شأن لهم بالسياسة يصفون صاحب اللسان الطيب الذي يتكلم بطريقة مقنعة وهادئة بانه سياسي.
وقد قالوا في امثالهم: "اللسان الحلو يطلّع الحيّة من الزاغور". ورغم ان السياسة اصبحت علما، الا ان هناك من يصر على انها فن. لذا نجد من يصفها بانها فن "الكذب" أو "الشطارة" أو " الدهاء" أو "فن الممكن" الذي يقال ان اول من وصفها به هو الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف. والسياسة، علما كانت أم فنا، تتطلب ممن يمتطي ركابها ان يستعمل لغة وسلوكا تختلف عما عند اصحاب العقائد الإيمانية ورجال العلم. وهذا من بين ما يدفعنا الى المناداة بعزل الدين عن السياسة حرصا عليه اكثر من الحرص عليها كي يحافظ على معناه الروحي الاجمل. ومن بين اهم ادوات السياسي، التي يجب ان يحرص على انتقائها، او اللعب بها، هي لغته. فان لم تتبدل عما كانت عليه في ايام قبل دخوله عالم السياسة، وتتحرر من خشونتها وعنجهيتها فقد تجر على البلاد خرابا فوق خرابه. أقول هذا وانا اتابع تصريحات سياسيينا، ونحن نعيش اليوم ازمات جدية تعم البلد من رأسه حتى قدميه، فلم اجد بالذين يطلقونها، الا القليل النادر حد العدم، من يحتكم الى القول اللين في مخاطبة خصمه السياسي. محزن ان لا نجد حتى في من اتخذوا خط الاسلام السياسي، وهم على راس السلطة ، من توقف لحظة عند أروع آية قرآنية عن التسامح. تلك التي اوصى بها الله النبي موسى وأخاه ليذهبا الى من شاركه الربوبية، وليس في حكومة محاصصة عاطلة عن العمل، قائلا: "اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً". كذلك نجد من لم نسمع منه كلمة واحدة، ولم نقرأ له سطرا في مواجهة صدام قبل سقوطه، يخاطب شريكه بالعملية السياسية وكأنه اتى بما لم تستطعه الاوائل.ان القول اللين يعني الرفق والقول الحسن. وان كان من حق السياسي ان يرد على خصمه او يدحض حججه امام الرأي العام، فلا يتصور انه يحقق ذلك بالشتم والسب واستخدام خطابات التسقيط او التحريض ونبش دفاتر الموتى. هل يعلم هذا النوع من سياسيينا، وهم الاغلبية الغالبة وللأسف، انه يمكن له ان يحقق ذلك كله، لا بل واكثر منه، لو انه استعمل الرفق واللين بالقول والفعل؟لم يقل المتنبي لسيف الدولة، حين كان يستعرض بعض الاسرى من جيش اعدائه، اشتمهم أو اقطع رؤوسهم او نكل بهم، بل قال:ترفق ايها المولى عليهم فان الرفق، في الجاني، عتابوهناك من يقول انها وردت "عذاب" بدلا من "عتاب". ولا اظن المعنى سيختلف كثيرا بين المفردتين. الاهم هو: هل في سياسينا أحد يفقه معنى هذا البيت ويتّبعه؟ أقول، وبأسف: اشك في ذلك.
سلاما ياعراق : القول اللين
نشر في: 28 إبريل, 2012: 07:24 م