اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > بين النص المسرحي الغربي والعرض المسرحي العربي

بين النص المسرحي الغربي والعرض المسرحي العربي

نشر في: 28 إبريل, 2012: 07:34 م

د. حيدر جواد العميدياختط قسم الفنون المسرحية في كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل لنفسه خطاً يكاد يكون مغايرا عن تجاربه المسرحية السابقة ، خطاً ابهر المتلقي بفضاءاته المفتوحة وبقراءاته الفكرية والجمالية والمعنائية، فمن فضاء حديقة الحلة الجامعة الأهلية إلى فضاء المسرح الدائري انتقل بنا المخرج الشاب أمير هشام في عرضه (الإمبراطور جونز عربياً) ، ومن خلاله إلى المستويات العميقة لمتن النص وتجسيدها عرضاً بنقل ثيماته أي النص وصبها على أحداث الواقع العربي الذي نعيشه  الآن وما تشهده الساحة العربية من تغيرات ،انتقل بنا بمستوياته وأدواته التقنية والجسدية والأدائية ،بروح المثابرة والإخلاص والمحبة للمسرح وهذا ما نبغي إليه كأكاديميين .
النص المسرحي من تأليف  الكاتب الأمريكي (يوجين أونيل)، وإعداد وإخراج الفنان ( أمير هشام)، وإشراف الدكتور إياد السلامي  وتمثيل نخبة من طلبة قسم الفنون المسرحية فرع التمثيل (حسين محمد حسين ، علي محمد عبيد، تأميم رحيم، الحسين محمد، أكرم رزاق، حسن نعيم، زيد عبد الله، عز الدين خضر وآخرون) قدم بفضائيين مغايرين ينمان على قدرة وإبداع مخرج العمل الذي لاقى أعجاب فناني ومثقفي المحافظة حيث انطلقت فكرة العمل من كلمة المخرج المدونة في دليل (بروكرام) العرض (لا نريد محاسبة الإنسان مع السلطة بل مع ذاته)...عمل المخرج المعد على نقل الدراما من مناخها التاريخي الغربي إلى المناخ العربي المعاصر أو بمعنى إسقاط مضامينها الفكرية وما تحمله من قراءات ومعان وأفكار على الواقع العربي المعيش وما يشهده هذا الواقع من اضطرابات وتساقط للدكتاتوريات المضطهدة لأبناء شعوبها والسالبة لإراداتها، إذ قدمها المخرج المعد بعنونة (الإمبراطور جونز عربيا) لإيصال ما يصبو إلى إيصاله من قراءة ودلالة العنوان الجديد. تخلص المخرج من الأسماء جميعاً وحذف من المسرحية كل ما يشير إلى بيئة خاصة ومحددة، بل ترك للمتلقي فسحة الغوص والسباحة في فضاء التأويل تاركاً للمتلقي ملء البياضات (الفراغات)، والكشف عما مسكوت عنه في خطاب العرض المسرحي.  وبما أن المسرح بوصفه فناً إبداعياً فهو ينهل من الموضوعات الغربية، مسلطاً الضوء من خلالها على جوانب العصر السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية وبلغته الخاصة، إذ أن الإبداع هو إقامة جدل حيوي بين تجربة حياتية فردية وتجارب أخرى حاضرة وماضية ، فنية وحياتية ، تتشكل من خلال التجربة في نسق جمالي مفهوم يكون قيمتها ومعناها وهذا ما أكده الدكتور عقيل مهدي يوسف في مؤلفه ( جماليات المسرح الجديد ) بالقول بأن النص يتحرك في أحشاء عصره ،ويتمرد عليه، وعلى الإخراج أن يربط ما بين ذلك التمرد بإطاره التاريخي (الغربي)، بالعصر ، بحيث يمس ما هو جوهري في واقعنا الحديث.انماز عرض الإمبراطور جونز عربياً بتقنية الزمكان المغايرة وبحدثية العرض التقني الجمالي والرؤيوي، عرضاً احتمل القراءة العميقة لمتن النص – العرض، من خلال الحركة ، الجسد، الديكور ، المنظر، الفضاء المفتوح، التشكيلات الجسدية ، الماكياج، المؤثر الموسيقي والصوتي... كلها جعلت المتلقي أمام شبكة من العلاماتية راح يكشف عن معناها مسقطاً افتراضاتها البعدية على الواقع  العربي المعيش (هاهنا-الآن) . الإمبراطور جونز عربياً هو مزواجة بين الدكتاتورية الأمريكية وبعض السياسات العربية  المضطهدة والمستمرة وبروح عربية ...من خلال مفردات العرض (الهاون) المستخدم دلالة الطحن المستمر اللامنتهي عبر الأمكنة والأزمنة للشعوب العربية فثمة مقاربة سيميائية  تجلت في شخصية (الحارس) (أكرم رزاق) وهو مرتدياً ملابسه السوداء أو سميزر نصاً ، قرأ عدة قراءات (الحارس، إمبراطور، المخطط ، مسؤول عن إدارة الشخصيات بأجمعها، المد للإمبراطور المشطور . جاء العرض ملطخاً بالدماء وبقسوة دلالة القتل وسفك الدماء والتعذيب والظلم والاضطهاد الذي تعاني منه الشعوب العربية من قبل حكوماتها الدكتاتورية التي أخذت بالتساقط شيئا فشيئا أمام ثورات جماهيرها الغاضبة . ربما تقرأ في العرض محلياً(عراقياً) القتل والدمار خلال ثلاثين عاما في ظل حكومة دكتاتورية مارست بحق أبناء شعبها أبشع وسائل القتل والتعذيب ،أراد المخرج بها تبيان مدى الدمار الذي عاشه العراق والعراقيين. وبالتفاتة ذكية ترك المخرج عرضه مؤجلاً مفتوحاً لان التغيير والتساقط قد يشمل دكتاتوريات أخرى مستخدماً تقنية الحبل الذي جعله يتنقل بانسيابية بين أيدي الممثلين وبشكل مستمر دلالة الاستمرارية في التغيير والتبدل.وثمة مقاربة يمكن قراءتها في العرض، لاسيما في المشهد الأخير عندما زج لنا المخرج  بالإمبراطور جونز بزي تأريخي أشبه بزي شخصية الشمر المرتدي في تمثيل (تشابيه) وقعة ألطف للقول أو إحداث مقاربة قرائية بين الدكتاتوريات وشخصية الشمر من حيث ما تحملانه من نفس الصفات من ظلم واضطهاد وقتل ودمار وكل ما ينافي الإنسانية من عادات وتقاليد وقيم. وفي قراءة أخرى لمعنائية العرض نجد أن المخرج أراد إحالتنا إلى ثلاثية فرويد (ألهو –الأنا- الأنا العليا) التي تلمسها المتلقي بالاسترجاع في عرض سابق للمخرج نفسه وكأن ثمة أفكارا متسلسلة مترابطة أراد المخرج تأكيديتها ...أفكار معبرة عما يجول في دواخله من خلجات ومشاعر وعواطف نفسية مسقطاً هذه الثلاثية على الإمبراطور جونز ولكن جونز عربياً. أضاف المخرج في المشهد الأخير من العرض مشهداً تأملياً راقصاً قاصداً من ورائه ترك المتلقي في تأمل وأمل  مستمر في الخلاص من الدكتاتورية بكل أشكالها واقتلاعها من جذورها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram