هاشم العقابيحين أصبحت كردستان بمعزل آمن عن النظام السابق بعد انسحابه من احتلال الكويت، انفتحت أمام المعارضة الشيعية مساحة للعمل منحتها حرية أوسع في التحرك وأبعدت عنها تهمة العمالة لإيران. كما انتشرت بإقليم كردستان، في تلك الأيام، مقرات للأحزاب الشيعية ومؤسسات إعلامية واستقر به بعض من المراجع الدينية الشيعية المهمة.
ولقد اسهم النظام السابق، عن قصد أو بدونه، في تقريب قواعد العلاقة بين الشيعة والأكراد بتركيزه على اضطهادهما اكثر من المكونات الأخرى. هذا لا يعني ان النظام لم يضطهد السنة أو غيرهم، لكن ما حدث بعد الانتفاضة التي اندلعت في جنوب وشمال العراق بعد حرب الخليج الاولى، عرضتهما لمشروع ابادة جماعية بعد تقسيم المحافظات الى بيضاء وأخرى سوداء. وكل مظلوم للمظلوم نسيب. هذا العامل وما سبقه أضفيا بعدا استراتيجيا على تلك العلاقة. انتهى النظام السابق وواجه العراق مشكلة من يحكمه. وهنا لعبت العلاقة الإستراتيجية بين الشيعة والأكراد دورا مهما في ترسيخ التوافق كحل لا بد منه في ضوء ظروف العراق الجديدة. وهو المبدأ الذي فتح بابا امام السنة للدخول في العملية السياسية. اي ان التوافق، كان الطريق الوحيد، في حينها، لإرضاء كل المكونات العراقية تقريبا. والأكراد بحكم تجربتهم الخاصة وخبرتهم في ادارة الحكم للإقليم عن طريق التوافق حتى قبل سقوط النظام، نجحوا في حلحلة الكثير من الازمات التي تعصف بالعراق بين حين وآخر، خاصة معضلة تشكيل الحكومة التي اشتدت بعد الانتخابات العامة الأخيرة. واتفاق اربيل شاهد على ما ذهبت اليه.واليوم اذ تعود المشكلة ذاتها، يصعب على احد نكران اهمية الدور الكردي، بسبب علاقتهم المميزة بالأطراف الشيعية السياسية، من جهة، وعلاقتهم الودودة مع السنة، من جهة أخرى، في حلحلة الوضع المتأزم.ما يميز العلاقة الإستراتيجية عن غيرها هو انها تنبع من حاجة كل من الطرفين للآخر. فشيعة العراق اليوم، وهم الممسكون برأس السلطة، محاطون بدول "غير ودودة" معهم لاسباب عديدة منها ما هو طائفي. وهناك ميل واضح لعزلهم من قبل بعض الدول عن محيطهم العربي، مما قد يرغمهم على الاحتماء بإيران بحكم الاضطرار. وهنا يمكن للأكراد ان يكونوا جسرا مهما لشيعة العراق عند العرب لما لهم من علاقة مميزة مع دولهم.كذلك تحيط بإقليم كردستان اليوم دول "غير ودودة" مع الأكراد مما يجعل من علاقتهم مع التحالف الوطني، الحاكم الرئيسي بالعراق، سندا أساسيا لحمايتهم.ان زيارة السيد مقتدى الصدر الأخيرة لاقليم كردستان وفي هذا الظرف بالذات، مطالبة بالاجابة على سؤال مهم: هل سيضع الطرفان نصب عينيهما تلك المصالح المتبادلة؟ مصالح يفترض انها تتجاوز ابعاد الأزمة الحكومية الحالية وتسمو عليها لانها قد تسهم في حماية ارواح عموم العراقيين. لذا يفترض بها ان تكون، أيضا، اعلى واغلى من براميل نفط يدعي هذا الطرف بان الطرف الآخر قد هربها. ولم تنر دولاراتها بيوت العراقيين بالكهرباء لحد اليوم في كل الاحوال. ان ما مر به العراق من مصائب يجب ان يتحول الى درس نستفيد منه في جعل قطرة الدم العراقي اثمن من مليار برميل نفط أو ذهب.
سلاما ياعراق : عن العلاقة بين الشيعة والأكراد
نشر في: 29 إبريل, 2012: 08:12 م