اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > عالم التصميم بين الفن والمنفعة

عالم التصميم بين الفن والمنفعة

نشر في: 29 إبريل, 2012: 08:21 م

علي النجارعلى امتداد عمري الفني الذي تجاوز الأربعين عاما, كنت خلالها أرسم رسوما بأساليب ومفاهيم مختلفة. وفي السنوات الأخيرة نفذت بعض الأعمال التركيبية. لكني وفي كل هذه الأعمال, وفي كل لحظات اتخاذ القرارات التنفيذية, من شطب بعض الأجزاء, أو إضافة أخرى على مساحة سطح أو فضاء العمل.
 لم تكن من أولويات عملي  أن أبحث عن كيفية حدوث التوازن أو ما نسميه الاستقرار المطلوب لعناصر العمل أو تفاصيله, لتأخذ مكانها في الفضاء المقرر بدون أن يخل بتوازن فضاءاته الداخلية أو  المحيطة. بالتأكيد هناك طرق شتى لفعل ذلك. كأن مثلا أن يكتظ العمل بتفاصيله المختلفة, طاردا الفراغ من مجمل سطح العمل. وكما في الأرابسك. لكني فضلت المغامرة غالبا, لأدع نسبة ما من الفراغ تتخلل تفاصيل أعمالي, أو تحيطها, وبالقدر الذي يمكنني  معالجة تصوري الخاص في أعمالي. وغالبا ما كانت معالجاتي توفر لي حرية التصرف في إنشاءات هذه الأعمال. إذ ثم ميكانزم لا شعوري(بالنسبة لي) يتحكم في صياغة تنفيذ أعمالي. لكنه مع ذلك لم يخل بتوازن مفرداتها ومناورة فضاءاتها. رغم أن هذا الأمر يشكل أحد شروط العمل التصميمي, ومنه الفوتوغرافي, واللقطة السينمائية. لكن الفرق هنا يكمن في أن أعمال التصميم تحتكم إلى الإرادة في تنفيذها, وليس كما هو الحال في الغالبية من الأعمال الفنية التي هي من ثمار الموهبة الذاتية ورهافة إدراك حس الفنان.      تتشابه بعض عناصر العمل التصميمي والفني كثيرا. فهي كما ذكرت تعالج الفضاء(كنسبة ذهبية) تكفل توازن وثقل العمل وراحة الإبصار. مثلما تراعي الفضاء المحيطي الحاضن. كذلك بالنسبة للخط ومساراته واللون وأهميته الإيحائية. سواء كان مفردا أو أساسيا أو ثانويا, لتحقيق متعة الإبصار ومراعاة العامل النفسي(الدفء والبرودة) والإيحاءات الطبيعية أو الذاتية. مع التركيز على منطقة جذب انتباه معينة. كذلك الاعتناء بما يخص نسيج العمل وإيحاءاته الفنتازية والمادية. الصناعية والطبيعة. الشكل  الحر والتشكيل الهندسي أو العضوي وبملمسه وأنماطه المختلفة. ثم قيمة العمل التي تتمثل في قدرة تعاطيها والذات الإنسانية وفضاءاتها المختلفة الفيزيائية والذاتية, وصولا لتحقيق المنفعة أو الغاية التي أشتغل على تحقيقها العمل التصميمي .       ثمة قواسم مشتركة أو مختلفة ما بين عالم الفن وعالم التصميم,  تنسحب على مجمل عمليات اشتغالاتهما , ربما اندماجا أو تقاربا, أو افتراقا. لكن كليهما تشكل ضمن فضاء النتاج الثقافي الإنساني. وإن كان الفن ذاتيا وفرديا بامتياز على امتداد تاريخه الطويل فإن التصميم وكعملية متكاملة خضع لشروط مجتمعية عامة, وإجراءات جماعية(فريق عمل بمواصفات وشروط إنتاجية وتسويقية معلومة). وإن احتفظت المتاحف الانثروبولوجية بلقى أثرية هي عبارة عن أدوات للاستعمال اليومي أو الطقوسي, صنعت من الحجر أو البرونز أو الذهب ولا تخلو من أهمية فنية. فأعتقدها كذلك, لكونها نتاجا فرديا جمعت ما بين الوظيفة والتزيين المفرط كهاجس وجداني أو فني استحواذي. فإن أجمعنا على أنها آثار فنية. فليس من السهولة اعتبار الأعمال التصميمية الحديثة كذلك, سواء كانت إعلانات تجارية, أو تصاميم الأزياء أو الأثاث وغيرها من الأدوات والمجالات. لكننا لا نستطيع أن نتنبأ بالمستقبل البعيد, والذي من خلاله سوف ينظر لعصرنا باعتبار مخلفاته من هذه المصنوعات وغيرها آثارا. أن لا ينظر إلى لقى تصاميمنا المتنوعة, على أنها أعمال فن, بعد أن يقصى أو يندرس عامل إدراكها كأدوات استهلاكية أو ترفيهية أو وسائل اتصال مجتمعية, لما لتدخلات التصورات والموهبة الفنية من دور في عملية إنتاجها. وكما هو الأمر بالنسبة لمتاحف(الأنتيك) لسلالات الملوك والأباطرة.       العمارة كونها فنا تطبيقيا ذا سمات عملية وذوقية مشتبكة بشكل أكبر والعديد من الفنون. وتكمن أهمية اكتشافات فناني الباوهاوس التصميمية الحداثية أنهم السباقون في عملية تسريع تحديث المنتج الصناعي النفعي بما فيه العمارة الحديثة, من خلال مزاوجة خبراتهم  البصرية الفنية التجريدية والتكعيبية والفنتازية. هنا تتداخل الخبرة الفنية العملية والذوق والمنفعة. العمارة  استفادت من هذه الخبرات(مثلما استفادت من خبرات الفنانين للعصور السابقة). لكن ليس هذا هو العامل الوحيد الذي بنت تصوراتها عليه. بل من خلال استفادتها أيضا من الطروحات النظرية الفلسفية الحداثوية والمعاصرة(كما الفن المعاصر) في وقتنا هذا. وما العمارة التفكيكية إلا جزء من حراك الزمن الفلسفي التفكيكي المعاصر. فلو نظرنا على سبيل المثال إلى تصاميم منشآت المعمارية(زهاء حديد) لاكتشفنا أشكالا(فورمات) فنية لا تختلف كثيرا عن أشكال منحوتات المواد(المتريال) المعاصرة. وبشكل خاص تمارينها(ماكيتات) والعديد من أعمالها المنفذة. أو كما هو شكل مبنى عمارة(مبنى هيرست) في نيويورك للمعماري(نورمتن فوستر), أو بناية أوبرا سدني. هنا وبتجازونا الهدف النفعي يصعب التفريق مظهريا ما بين أعمال الفن

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram