عدنان حسينمتأخراً جاء لكنه مع ذلك أفضل من ألا يأتي، وكان من الممكن ألاّ يأتي أبداً. تأخر تسع سنوات أو ستاً في الأقل (بعد انتخاب أول مجلس نواب وفقاً للدستور الدائم وتشكيل أول حكومة منتخبة)، ومع ذلك فهو عمل رائد وحكم قضائي تاريخي يستحق الهتاف لمن أقدموا عليه وسجلوا المبادرة العظيمة التي ستحسب لهم على طول التاريخ.
الاعتراف باستشهاد شمران الياسري (ابو كاطع) كان متوجباً منذ سنوات، لكنه إذ يأتي الآن فمن الواجب أن نصفق له في هذا الزمن الأغبر الذي يشبه في العديد من وقائعه الزمن الأغبر البائد، حيث لا كرامة للأتقياء الحقيقيين والوطنيين الحقيقيين وإنما للفاسدين والمفسدين المتزلفين والكذابين ونهازي الفرص والحرامية.. إلى آخر القائمة. وسابقة الاعتراف بشهادة أبو كاطع تفتح الباب لاستحقاق متوجب بتكريم ليس فقط شهداء العهود الدكتاتورية والسجناء والمعتقلين والمفصولين السياسيين في تلك العهود، وإنما أيضا كل ضحايا تلك العهود القمعية ممّن اضطرهم نضالهم من أجل تقدم وطنهم وحرية شعبهم ورفعته إلى الهجرة إلى المنافي هرباً من الملاحقة والاضطهاد والتنكيل.شمران الياسري كان واحداً من هؤلاء.. مناضلاً باسلاً ومثقفاً وطنياً، لم يقبل بمهادنة الدكتاتورية التي سعت لإسكات صوته المجلجل عبر عموده الشهير في صحيفة "طريق الشعب" وأعماله الأدبية (الرباعية). في أواخر السبعينات من القرن الماضي كاد أبو كاطع أن يواجه الاعتقال والتعذيب والتنكيل، وربما القتل لو لم يقتنع بالهجرة (أو يُرغم عليها)، حيث اختطفه الموت في حادث سيارة على الطريق بين تشيكوسلوفاكيا السابقة وهنغاريا، وهو أوج نضاله الوطني (1981) وعطائه الثقافي.ليست القضية قضية شمران الياسري وحده، فمثله المئات، بل الآلاف، من المثقفين والمناضلين من مختلف الاتجاهات السياسية والمدارس الفكرية ممن هجّرهم النظام الدكتاتوري أو أرغمهم على الهجرة إلى البلاد الغريبة، وماتوا هناك بعيداً عن وطنهم وأهلهم، والمئات منهم كانوا من الشخصيات الثقافية والاجتماعية المرموقة من أمثال الجواهري ومصطفى جمال الدين وغائب طعمة فرمان وعبد المجيد الخوئي وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري ونجيب المانع وعامر عبد الله ورحيم عجينة وثابت حبيب العاني ومحمود صبري وسواهم.هؤلاء جميعا أقل ما يستحقونه منا إحياء ذكراهم وتمجيد مآثرهم وإكرام عوائلهم، ليس فقط من اجلهم فهم لم يكونوا ينتظروا مكرمة أو امتيازا، وإنما من اجل المستقبل.. من اجل إدامة حب الوطن والترغيب في العمل الوطني لدى الأجيال التالية. الكثير من رفاق المناضلين الراحلين يتمتعون الآن بامتيازات كبيرة لم يكونوا يحلموا بها.. والطريق إلى هذه الامتيازات عبدتها تضحيات المناضلين جميعا وبينهم الذين رحلوا خارج الوطن أو ينتظرون الآن رحيلهم من دون أن تتحقق أحلامهم في وطن مستقر وآمن ومزدهر.. ديمقراطي في الواقع.الآن يتمتع بامتيازات ومناصب الآلاف من مزوري الشهادات والوثائق الذين جعل البعض أنفسهم بهتانا مناضلين. والحكم القضائي باعتبار شمران الياسري شهيدا خطوة مهمة لإحقاق الحق وتكريس مبادئ الوطنية.
شناشيل: شمران الياسري .. شهيداً
نشر في: 29 إبريل, 2012: 08:30 م