اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الربيع العربيّ وما بعد الحداثة

الربيع العربيّ وما بعد الحداثة

نشر في: 1 مايو, 2012: 07:13 م

أوس عزالدين  المانعتعيش أغلب الشعوب العربية الآن لحظة تغير كبيرة، والتي عبرت عن نفسها في موجة من الانتفاضات والثورات ، رفعت من خلالها مطالب إصلاحية في أكثر من بلد عربي ، بدرجات متباينة من العمق والشدة ، لكنها جميعا تصب في قناة التحرر السياسي والانفتاح الديمقراطي على النحو الذي يدفع الكثيرين إلى تسميتها بـ(الربيع العربي)،
وقد تتعثر هذه الموجة في بلد ما ، وربما تنتكس مؤقتا في بلد آخر ، ولكنها ستنتصر في النهاية ، بالرغم من عسر المخاض ، لتعيد صياغة الدولة الوطنية العربية على أسس أكثر عصرية قياسا   بالنزعات التسلطية التي هيمنت عليها إبان موجة التحرر القومي في منتصف القرن العشرين .لقد كان الوعي بقضية النهضة العربية قد تبلور منذ القرن التاسع عشر حول تيار إصلاحي واسع يدعو إلى تجديد الإسلام كسقف أعلى وخيار نهائي ، وكانت هناك بلا شك خطابات عقلانية ترتدي مسوحات تنويرية ، ولكنها ظلت مضمنة في ذلك التيار ولم تدع لنفسها أي عقلانية بديلة .وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى ، كان الجدل لا يزال يدور بين توجهات عدة تتمايز قليلا ، بينما تقع جميعها داخل التيار الإصلاحي الملتزم بالإسلام ، وكان أساس التمايز بينها يتعلق أساسا بالفضاء الذي تتبع منه أو تصب فيه ، حيث راوحت كتابات ونضالات الكثير من الرواد بين الفضاء الإسلامي الواسع ، والفضاء الوطني المحدود ، وفي المقابل ظل الفضاء العربي (( القومي )) الذي يمثل حلقة وسط بين الإسلامي والوطني مهملا ، حتى كانت الدعوة إلى بناء عقلانية عربية متحررة من الجبرية السائدة والاستبداد السياسي .وبالرغم من موجة المراجعات الكبرى في الثقافة العربية ، والتي سعت عبر العديد من المجالات المعرفية ، والتي تمتد ما بين الأدب والفلسفة ، مرورا بالعلم الاجتماعي والسياسي ، إلى نقد الذات ومحاولة تقديم تفسيرات عديدة للهزيمة الساحقة ، وذلك في إطار موجة غضب شديدة تمت من خلالها قراءة الهزيمة على عجل باعتبارها محصلة لخلل يكمن في ضعف همة وشجاعة (( السلطات العربية )) ، ومن ثم فالحل كان بسيطا جدا ولا يتطلب بالضرورة هذه العمليات المعقدة من التحديث على منوال التطور العلمي ، والتحرر الثقافي ، بل مجرد الانقلاب على المرجعية الفكرية (( الهشة )) واستبدالها بأخرى (( صلبة )) تثير الهمة لدى النخبة الحاكمة لمواجهة العدو بشجاعة أكبر وحماسة أعلى.وبعد عقد واحد من الهزيمة ، كان الجدل الفكري والسياسي الأساسي قد تشكل على نحو استقطابي ، وتم وضع كل القضايا التي تخص الواقع العربي في ثنائيات متقابلة ، بدءا من القضايا ذات الطابع الثقافي كالنهضة والهوية والعلاقة مع الآخر ، وصولا إلى القضايا السياسية والاقتصادية العملية ، ومن ثم إلى تلك الحالة الفيزيائية نادرة الحدوث في المجتمعات الإنسانية ، حيث التماثل في القوة ، والتناقض الكامل في الاتجاه ، وهكذا أصبح المجتمع العربي المعاصر ، بالرغم من تباينات طفيفة ، فاقدا ما يمكن تسميته (( حس الاتجاه )) أمام جذرية الانقسام الثقافي ، وكأننا نعيش في ظل ثقافتين .وفي هذا السياق المتجمد أفلت العالم العربي من رياح التغيير التي اكتسحت التاريخ العالمي في موجات عديدة ، وهنا أخذ الكثيرون داخل العالم العربي وخارجه يتحدثون عن الاستعصاء الديمقراطي العربي ، أي استمرار العالم العربي خارج إطار التحول في التاريخ العالمي .ومن قلب هذا الوضع التاريخي انطلقت ثورتا تونس ومصر من شرارة تكنولوجية ، حيث تمكن جيل من الشباب ، الأكثر وعياً بما يجري في العالم ، وحرصا على طلب الحرية ، من تحقيق تكتل واسع في ما بينهم عبر الفضاء الإعلامي غير المحدود ، ومن خلال أدوات التواصل الافتراضي المتاحة، وهكذا مثلت الثورتان نموذجا مثاليا لثورات (عصر ما بعد الحداثة) تلك التي تفتقد القيادة الواضحة ، كما تفتقد أيدولوجيا تحكمها ، حيث خلت الثورتان من تلك الطبقة المثقفة المناضلة القادرة على نشر الوعي الثوري وقيادته وترشيده  ،كما خلت أيضا من ذلك التنظيم الطليعي الحزبي / النقابي الأيدولوجي القادر على حشد الآخرين وتنظيمهم وصياغة أهدافهم ، وعلى تسلم السلطة في حال نجاح الثورة . ويمكن تعليل نجاح هذه الثورات أو تفسيره ، على الرغم من ذلك الضعف البنيوي تفسيرا يستند إلى النظرية الثقافية لـ(( ما بعد الحداثة )) ، وعلى رأسها مركزية الذات الفردية التي تعكس مفهوم القيادة على جميع الصعد.لقد ساهمت تلك السمات الخاصة ما بعد الحداثة في نجاح الثورتين ، وخصوصا المصرية ، حيث هبت العاصفة من داخل العالم الافتراضي على نظام سياسي متجمد لم يتوقعها ، ولم يحسب لها حسابا جادا ، فإذا بها تهزمه وتكشف عجزه أمام قوة هلامية / زئبقية تفر من بين يديه ، غير أنها سرعان ما تحولت إلى عبء عليها متمثلة في بطء حركتها ، ذلك إن الأفكار ، ومهما كانت جاذبيتها ، لا تستطيع سوى أن تلهم وتحفز ، ولكنها لا تستطيع أن تحكم وأن تبني نظاما جديدا يظل بحاجة إلى قيادة مباشرة في عالم واقعي وليس افتراضيا ، وربما لهذا السبب تعاني مصر الآن من (( دكتاتورية الجماهير )) ، حيث تخضع الحكومة المؤقتة لحركة الجماهير الواسعة ، والتي تعتقد كلها  إنها صاحبة الثورة ، وتطرح عليها مطالبها المتعددة ، بإصرار كبير وثقة أكبر ، لأن الحكم على تلك

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram