علي حسينمنذ عام 2003 ظهرت طبقة من الانتهازيين يمكن أن نطلق عليها اسم "قرقوزات" فهؤلاء تجدهم في كل مكان ينتشرون بسرعة البرق في الفضائيات وفي مؤسسات الدولة، وكأنهم المتحدثون باسم التغيير. يذهبون متطوعين إلى الفضائيات في محاولة لإقناع الناس بأن الحكومة وحدها هي القادرة على تحقيق وتنفيذ أحلامهم ،
بعض هؤلاء يعارض أحيانا، ليس لأنه ضد أن يتحول العراق إلى مقاطعة يحكمها اشخاص معدودون ، بل لأنه لا يجد دورا يلعبه في هذه المقاطعة، وأكاد أجزم أن بعضهم يمثل أحيانا دور المعارض، تراه يفتتح يومه بالهجوم على خطط الحكومة، بينما هو في قرارة نفسه مع الحكومة، شرط أن تزيح الآخرين عنه، عارضا خدماته ولسان حاله يقول: "أنا الأفضل في هذا الموضوع" ويمنّي النفس بأن يتعكر دوما صفو العلاقة بين الحكومة وأية أطراف أخرى يتوهم أنها تنافسه على الحظوة أو ربما تقاسمه المكسب، وهو يرفع شعار "أنا البديل الجاهز لتنفيذ أية مهمة وبنجاح اكبر وبتكلفة اقل".متسولون يطالبون ولو بربع فرصة لإظهار مهاراتهم التي يراهنون بها على تمكنهم من إبعاد الآخرين وانتزاع الحظوة والاقتراب من جيب المسؤول. لا نملك احيانا إلا احترام البعض من السياسيين والمثقفين بشأن مواقفهم الواضحة في تأييد الحكومة، حتى لو اختلفنا معها، لكن لا يمكن احترام أولئك الذين بدأت أعدادهم تتزايد، وصورتهم تتضح يوما بعد يوم، يغيرون مواقفهم كل لحظة. ولدى بعضهم من أساليب "القرقوزات" ما قد يقنعك بأنه لا فارق بين حكومة اليوم وحكومة الأمس، وتراه يدعي الماركسية وهو الذي ملاه خزائنه من الأمريكان علانية، كما لا يوجد فرق عنده بين أن يكون ليبراليا، وفي الوقت نفسه يقف بالضد من الاحتجاجات المدنية ويدافع بحماسة عن المستبدين والفاسدين. يحاول البعض من متصدري الفضائيات اليوم أن يشعرنا بأننا نعيش موسم حرق الأوراق لإعدام الملفات القديمة، وتزوير التاريخ لتنفيذ أجندات سياسية ولتحقيق مكاسب شخصية على حساب استقرار البلد وحق أبنائه جميعا في العيش في ظل نظام سياسي يكفل لهم حياة كريمة، ولكن هل يعلم السادة مزيفوا الحقائق أنهم أصغر وأضعف من أن يحرقوا ضمائر الناس ؟ وأنهم اصغر واضعف من تقديم خطاب سياسي يدافع عن مصالح العراقيين.لا نستطيع أن نصادر حق أحد في أن يضع نفسه في المكان الذي يريد، كل ما نرجوه من طالبي الوظائف عند الحكومة أن يعلنوا عن أهدافهم وأحلامهم بوضوح، بدلا من هذه التمثيلية المضحكة التي يقدمونها كل يوم تحت شعارات مستهلكة من عينة الدفاع عن التجربة السياسية الجديدة ، وعن العراق الجديد الذي استنزفوه وسرقوا أمواله في وضح النهار. في كل يوم يثبت لنا هؤلاء أن قواعد اللعبة الإعلامية والسياسية إنما يراد منها إنتاج حالة من الإسفاف، تجعل المشهد السياسي أشبه بسيرك يعج بكل أشكال التسلية. إن بعض ما ينشر هذه الأيام يدفعنا للإحساس بالخوف على مهنة الإعلام ، ممن يكتب وينظر في الفضائيات ويقوم بجولات استعراضية ، إذ يبدو أن البعض لا يستطيع أن يحيا دون أن يكون له "قائد" يتغزل في مفاتنه ، وتراهم مصرين على ممارسة رياضة التطبيل لمن بيده المال والسلطة. اليوم نرى بعض هؤلاء يمارسون قصفا عشوائيا على بعض الأصوات الإعلامية، ويمارسون استئسادا وجسارة مصطنعة في الهجوم على كل صوت يختلف مع الحكومة، وأزعم أن ما يمارسه البعض اليوم لا يختلف عن تلك الأساليب الإعلامية التي كانت تهلل وتكبر فيما مضى لكل قرارات "القائد الضرورة". يصر البعض ممن جاءوا على دبابات الأمريكان ، على الاستمرار في ممارسة أقصى أنواع النفاق والتزلف، وعلى خداع الناس من خلال شعارات فضفاضة عن الديمقراطية وبناء الدولة المدنية ، في الوقت الذي مارسوا مع هذه الدولة ومؤسساتها أبشع أنواع اللصوصية والانتهازية. من المؤسف أن البعض ما زال غير قادر على الحياة بدون قيم فاسدة كنا توهمنا أنها انتهت مع صبيحة 9/4/2003 ، لكن يبدو أن البعض من ضعاف النفوس لا يريدون لزمن "الشطارة" أن ينتهي .
العمود الثامن: الكلام الكبير من الإعلامي الصغير
نشر في: 2 مايو, 2012: 09:38 م