علي النجارفي محاولات لي سابقة دونت فيها عدة مقالات تحت عنوان: ( الفن من خارجه)، تناولت فيها رسومات وأعمال تشكيلية متنوعة أنتجها أناس ليست لهم علاقة احترافية بالفن. بل كانت حصيلة لتعبير ضروري عن أزمات النفس، أو كتعبير عما تعرض له الجسد من خلل ما في مرحلة معينة من حياتهم.
أو كهواية ملكت بعضا من شروط صنعة الحرفة بدافع من هاجس الحاجة الجوانية، بشقيها الوجدانية والذوقية الثقافية. من خلال تجميعي لرسوم الكاتب المثقف عدنان مبارك المصاحبة لغالبية نصوصه المنشورة والتي حرص أن يرفقها بهذه النصوص، عوضا عن صورته الشخصية كما هو متعارف عليه. وخاصة منذ بداية عام 2009، حسب مطالعتي ومشاهدتي للنصوص ورسومها. وددت لو أدون عنها شيئا، وكنت اعتقد أن هذه الرسوم تتوافق مع وجهة نظري في ما اصطلحت عليه بـ(الفن من خارجه). لكن بعد مراجعة متأنية أقصيت ذلك عن خاطري. فهذه الرسوم لا تخفي انتماءها لحرفيات فنية متجذرة في فضاء الفن المعاصر. إضافة لكونها تنتمي لمرجعية ثقافية تمتلك وضوحا في الرؤيا والإخراج. ولا تخفي دلالات اشتغالات صانعها المعرفية والفلسفية وبمدارك عديدة، ما بين تاريخ الفن والاستطيقيا والأدب. فهل علّق شيء من تداعيات هذه المعارف في أذيال رسوماته، وخاصة وهي ترافق نصوصها. اعتقد أن الأمر هو كذلك.هناك كم من الرسوم التي كرست الصورة الشخصية للكاتب ـ الرسام (المبارك) حقلا لمناوراتها الأدائية التعبيرية. لكنها ليست صوراً شخصية بالشكل المتعارف عليه. لم تكن واقعية (أكاديمية) تؤكد قسمات صورة صاحبها. بل هي على مقربة من ذلك. فعدنان هو، هو نفسه في هذه الرسوم. لكن ما يظهر، هو شخصية محاذية له في شكلها العام، وملتصقة في جوهر شخصيته. مادة الجسد الحي والمتخيل محاطة بأمكنتها وأزمنتها. ولو أن الزمن في هذه الرسوم متوقف في لحظة هي من أحرج لحظاته. فالساعة، وهي ملازمة لرسومه، تشير إلى الثالثة. أنا اعتقدها الثالثة بعد منتصف الليل. فمحتويات الرسوم (التفاصيل) غالباً ما تشير إلى أنها مكرسة لعزلة التدوين أو أرقه. وذروة انقضاضها الزمني اعتقده في اكتمال الساعة الثالثة، بعد أن أقصي النهار وتداعياته نسيا موقتا تحت وطأة ثقل السكون الليلي. ويبدو أن عدنان بعد أن خبر مسار التوقيت الزمني اليومي. لم يجد سوى هذا الوقت صنوا لراحة النفس، أو لوعتها. ومن يدري!. ما يؤكد ذلك، أن ثمة سكونا متقشفا يلف تفاصيل وأجواء هذه الرسوم، عزلة لا تشفع لها كل تفاصيل الديكور المكاني الذي يحيطها. والذي هو الآخر يبدو متقشفا إلا من الضروريات التي تخدم عزلته أو تغذيها. إن كان أوسكار وايلد في روايته (دوران جراي) عقد اتفاقاً غير بريء مع الشيطان لصالح بطل روايته. إلا أن النتائج النهائية، بعد كل الكرنفالات الحياتية الزمنية البهلوانية، عادت عليه وبالا، وتهشمت كل ملامحه في أحرج سنوات عمره المتأخرة. عدنان اختار صورته الشخصية حقل تجارب ذاتية معاكسة. هو اختارها خارطة مسارات ذاتية، مثلما هي زمنية. كما نصوصه. إذا هي صنو لمنتج ثقافي، وليس مجرد معلم شخصي. هذه الرسوم، وبما أنها حصيلة أفكاره، وليست مجرد تزويق. تخترقها الفكرة، مثلما تؤكدها. هناك أمثلة عديدة في انجازات البوستر البولوني على امتداد زمنه المعاصر. استطاعت أن تخترق مجال أزمنتها وتعبرها. وعدنان ومن خلال دراسته الأستطيقا في بولونيا، واهتماماته بالكتابة عن الفن بشكل عام، ومناهج النقد. فبالتأكيد هو على دراية بهذا المنجز المهم. هذا ما تدل عليه بعض رسومه المتوحدة ( كما في بوسترات البولوني: جان لينكا(1). ولا ننسى بأن رسومه هي بشكل ما قريبة من منطقة البوستر الفنية. أو كما صرخة (ادوارد مونخ) التي اخترقت تداعياتها بعضها. فالوجه والجسد هو واحد في عزلة دوامة الحياة. وان كان يبدو في وضع ثابت في هذه الرسوم، الا انه متناسخ ونصوصه الحفرية الثقافية. انه اعزل إلا من ملامحه وهيئته العامة. فقد سلبته حوادثه مجال حراكه، وقذفته في لجة تفاصيلها التي لا تخلو من قهر أزمنتها. لكنه لا يزال وجها
الوجه وقناعه فـي رسوم عدنان مبارك
نشر في: 4 مايو, 2012: 07:56 م