سعاد الجزائريالمسافة بين العقل والقلب لا تقارن من حيث البعد بالمسافة التي بين الثقافة والسلوك، لأن الاخيرة تصل عند بعض المثقفين الى مساحات ابعد من الخيال، ان لم تكن معدومة في احايين كثيرة.في حوار مع الشاعر والمفكر الكبير ادونيس خلال لقاء تلفزيوني، كان موضوع الثقافة كسلوك احد المحاور، والسبب في اختياري هذا الموضوع، ليس اعتباطا، وانما لاننا نتلمسه في يومياتنا بل وفي تفاصيل حياتنا، حتى الشخصية منها.
كنت اتمنى ان يوصلني الشاعر الى تلك النقطة التي استطيع ان اقتنع من خلالها ان العلاقة بين نص او عمل المبدع وسلوكه يجب ان تتساوى، او على الاقل تقترب من نقطة حيادية، لا ان تتعارض كليا. لكنه في النهاية قال ان تلك الاشكالية لا يمكن ان تحل، لأن المسافة بين العقل والواقع، خاضعة لعدة تغييرات وعوامل خارجية ولا تخص المبدع ونصه فقط.الاشكالية التي لمستها، ان هناك تعارضا وتضادا بين سلوك الكثير من المثقفين، وبين ما يدعونه، او ينجزونه ابداعيا، فكيف نقتنع او نؤمن بنص يتحدث مثلا عن حرية الانسان وكيانه او حقوقه، في حين يصادر صاحب هذا النص كل القيم والاخلاق الانسانية في محيطة الاجتماعي الضيق، وليس في مجتمعه بالكامل.كيف لنا ان نقيم نصا مهما بلغ من العظمة، حينما نعرف جيدا ان مضمونه يتعارض مع سلوك كاتبه، الذي يتحدث عن القيم الانسانية، وعن حقوق الانسان والمرأة تحديدا، بل ويعارك بالكلام النساء اللواتي يرضخن لقيم لا تتناسب ومفردات عصر العولمة وعالم القرية الصغيرة، لكن نفس الكاتب، يركن كل هذه القيم جانبا، حينما يجري الحديث عن توزيع ارث العائلة، وخاصة حينما يبرز ثلثة الثاني الاسلامي، العائد لفترة تبعد عنا اكثر من الف وخمسمئة سنة الثاني، باعتبار ان للذكر حق الأنثيين، فيطالب بحقه المضاعف في الارث لينافس اخته التي هي اشد حاجة منه الى هذا الضعف. بمثل هذه الحالة كنموذج يكمن التناقض بين النص وكاتبه. والحالة الاخرى تتعلق بإمكانية اقتناعنا بنص يتحدث عن رومانسية الكاتب مع المرأة التي احبها، لكنها داخل مملكته العائلية يتحاور مع زوجته او اخته، بما نلبسه في اقدامنا، ليس بالمعنى المادي فقط وانما بالمعنوي لهذا المفهوم ايضا.هل يمكن ان تتباعد المسافة بين فكر المبدع، أو المبدعين، لانهم كثر وبين سلوكهم، وكيف تشكل هذا النص في رأسهم وتبلور في داخلهم ان لم يكونوا مقتنعين به، ومطبقين له، وهل يمكن للمتلقي ان يقتنع بنص لا يمت بصلة الى سلوك كاتبه.حيرة سكنتني منذ زمن بعيد ليس على الصعيد الشخصي فقط، وانما على الصعيد العام، فبحكم تواجدي في وسط (ثقافي!) رأيت فيه العجب، خاصة حينما تصل حقوق الانسان عندهم الى مرحلة الضرب والركل، وطرد الشريكة من البيت، او حرمانها من بيتها، او حينما يحرم الاخ المتخم، شقيقته من ارث ليس بحاجة له، لكنه ينتزع الضعف منها، لأن دينه، وهو لا يطبق من هذا الدين أي شيء، سوى الثلثين المادية فقط، لان قيمه ومبادئه امام الفلوس تصبح في الظل، ولأن الحقيقة رصدت حالة نحاول تغييبها هو ان الخديعة بين الثقافة والسلوك قائمة منذ كتبنا اول حرف، وحتى مرحلة كتابة اعظم نص، لا نستطيع ان نصدقه، ان لم يتحول الى سلوك.
بين قوسين : الخديعة بين الثقافة والسلوك
نشر في: 4 مايو, 2012: 10:25 م