اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > في ذكرى رحيله.. رياض إبراهيم بين تخوم الطفولة والموت

في ذكرى رحيله.. رياض إبراهيم بين تخوم الطفولة والموت

نشر في: 6 مايو, 2012: 07:36 م

كريم جواد"انتفاضة عصفور طيب"* للشاعر الراحل رياض إبراهيم، يمكن القول، إنه بيان طفولة، الطفولة التي يدعوها الشاعر بـ "ذلك الحلم المتأخر" ص 62، المتأخر في تجليه أو تحققه. إن عنوان المجموعة، وسيتأكد هذا المعنى في النصوص أيضا، يوجز التعارض بين مسعيين:
 الرغبة في الاحتفاظ بالطفولة أو استعادتها من جهة، وضرورة الثورة على الواقع متمثلا بإدراك فقدانها، أي الطفولة، من جهة أخرى.  فالطيبة ستبدو لاقترانها بعصفور، ورغم جدية النبرة، أشبه بعبارة مكتوبة في دفتر طفل، إذ مَن غير الطفل سيفكر بالتمييز بين العصافير؟ بيد أن الطفولة لدى رياض ليست ضدا للشيخوخة، ولا هي أيضا رمز براءة مفتقدة بالضرورة؛ إنها شرط توازن وانسجام، مصالحة مع العالم لكن ليس من خلال الإذعان للواقع، لهذا يحاول الشاعر استعادتها بإلغاء المسافة بين العصفور وطيبته، إذا جاز القول، وبالانتفاض أو الثورة التي تتطلب، وهذا مكمن التعارض، وعيا أو إدراكا غير طفولي للأنا في لحظة انفصالها عما يحيط بها.  شعر رياض إبراهيم إذن يقيم في المسافة بين الانسجام، وإدراك الفوضى. ويمكن تسمية تلك المسافة بـ"الواقع" كما رآه الشاعر وحاول تغييره في قصائده التي تبدو والحالة هذه، كأنها صرخات احتجاج، لكنه احتجاج شعري غير عنيف بالتأكيد، لهذا يتمثل بالإشارة: "أمس/ حين أقفل الليل بابه/ أفرغت حنجرتي من صراخها/ وانتظرت أحدا يشتمني/ لأمارس احتجاجي/ بالإشارة" ص45، الإشارة سواء بالمعنى الصوفي الذي يستثمر الشاعر تعابيره كثيرا، أم كناية عن نبرة خفيضة ميزت شعر رياض إبراهيم وقلة من شعراء تلك المرحلة مقارنة بالشعر السائد آنذلك، منذ نهاية السبعينات وحتى الإطاحة بنظام صدام عام 2003، حيث لم يعل على أصوات المدافع إلا هدير قصائد الحرب. وتجد المسافة أيضا رموزها في شعر رياض من خلال عبارات تؤكد ثنائيات الواقع/ الحلم، الطفولة/ الوعي، الهنا/ الهناك، الخ... ففي أولى قصائد المجموعة، لم تحمل عنوانا، يقول الشاعر: "أيتها الوردة/ ما بيننا قطرة ندى/ ومسافات من الفوضى" ص 7، قطرة الندى هي زوادة الشاعر، وربما حبر قصائده، كما أن كلمات "الخرائط" و"المفازة" و"الشوارع" وأخرى ذات دلالات مكانية تتكرر كثيرا في قصائده لتؤكد هذا المعنى: "من أين قل لي بالرب نشتري الرفقة/ والخريطة؟" ص40، أو قوله: "طويلا توهمت أن الخرائط/ خاصة بالحروب../ لذا كنت أحرق الخرائط/ من أجل نهاية سعيدة للكون" ص30. إن التماهي مع العالم أو الكون عبر لغة تستحضر أحيانا هذيان الصوفيين و"رؤيا"هم كمحاولة لاستعادة الطفولة أو العودة إليها، حل شعري جربه رياض في بعض قصائده ابتداء من منتصف الثمانينات وحتى وفاته. وكان واضحا كما تبين مجموعته "انتفاضة عصفور طيب" أن ردم المسافة - الواقع أو عبورهما إلى الضفة الأخرى، كان من مشاغل رياض إبراهيم الشعرية. يقول في قصيدة "غبار لأسئلة الطفولة": "الأفق نجمة تبرق وجهي/ والشمس بعض خرافتي" ص18، وفي أخرى: "كل شيء في الكون/موصول بي/ وحين أعانقك تسقط الشمس/ مثل قطرة ماء" ص76. هذا الانشغال بردم المسافة ومعانقة العالم يتضح أيضا في قصائد أخرى هي أقرب في لغتها إلى اليومي بتفاصيله المألوفة وإن جاءت بأسلوب القصيدة القصيرة ذات الضربة أو التوقيع: "أركض مع شجرة هاربة من معتقلأقودها إلى حديقة قريبةمن أجل أن لا تصبح الحديقةساحة استعراض عسكري" ص32. إن ما يفصل بين الشجرة والحديقة هو ذاته الذي يفصل بين الشاعر وطفولته، لهذا يركضان معا باتجاه واحد.  رحلة رياض إبراهيم من بغداد باتجاه المنفى ووفاته في 3/5/1997 في مدينة زاخو على الحدود، تسهل بالتأكيد قراءتها في سياق "انتفاضة عصفور طيب"، أي بوصفها قصيدة كتبها الشاعر بجسده، وهي تمثيل مباشر لفكرة الثورة والخروج على الواقع كما عبر عنها في قصائده. لكن هل كانت محاولة الشاعر الخروج من العراق محاولة خروج مزدوجة ضد الواقع والشعر معا؟ هل فقد رياض الإيمان بالشعر فقرر قطع المسافة باتجاه الطفولة على قدميه؟ الطفولة هنا ليست قرينة المنفى بالتأكيد وإنما الموت، رياض كان يدرك ذلك بدلالة رحيله المأساوي المبكر. ألم يقل في قصيدة تعود إلى العام 1983، وتحمل عنوان "أحزان رياض إبراهيم": "ورياض تجلده الحدود" ص100، ثم في أخرى عام 1986:"عطارد تنام في فراشيوأنا ثابتفي مركز هلوستي تحبل بي الأرحامتتمخضتلد الدهشة وجهيثدي الأرض في فمي طين مالح" ص27. فالموت يمثل عودة إلى الرحم بانتظار ولادة ثانية كما هو الحال في استعارة الرحم والقبر المعروفة. لكن لماذا الموت في مدينة حدودية؟ أهو تأكيد لغربة عاشها الشاعر في وطنه وأراد استئنافها في الموت، أم لأن للطفولة كالحلم وطنا يقيم على التخوم. يقول رياض وكأنه يرى موته أو حضور طفولته:"ضعوا المتاريس حول هذه الدمعةحاصروا طائر الحزن هذالقد أسلمت وجهيوأغطية نوميوأظافريلأول نقطة حدودولم أحلم بعدها

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram