محمد صادق جرادلا يمكن لأحد أن ينكر بأن الثورة الإعلامية في العراق جاءت بعد سقوط النظام الشمولي في التاسع من نيسان 2003 ولقد كانت رحلة العقود الثلاث قاسية للإعلام مع أزلام النظام السابق حيث سخّر ذلك النظام أزلامه لتوجيه الإعلام حسب توجهاته وأجنداته وسلط عليه الرقيب الذي لا يرحم فكان الإعلام ينظر إلى الأحداث ويتناول الأخبار من وجهة نظر واحدة ومن زاوية واحدة تمثل وجهة نظر النظام والحزب الحاكم.
ولقد انطلقت مسيرة التطلع لحرية الصحافة والإعلام في العراق منذ انطلاق مرحلة التغيير وبعد إسقاط الصنم في بغداد وكانت البداية منذ اللحظة التي كان العراق فيها البلد رقم واحد في البلدان التي تشهد مقتل الصحفيين والإعلاميين .وهكذا بدأت أحلام رجال الإعلام العراقيين تكبر في الأرض الأكثر خطورة على الحياة وبدأت مسيرة التضحيات ورحلة البحث عن الحقيقة في زمان ومكان قد تدفع حياتك في سبيل الوصول إلى المعلومة لاسيما وأنت تعيش وسط أجندات داخلية وخارجية وأخرى إرهابية كلها جعلت الإعلامي والصحفي الشريف عدوها الأول .اليوم وبعد نجاح التغيير وبعد الاستقرار الأمني يسير الإعلام العراقي نحو نيل حقوقه من خلال التشريعات والقوانين التي حرص رجال الإعلام على الضغط على المؤسسة التشريعية لاستحصالها من اجل أن نعيش ربيعا إعلاميا عراقيا هو الأول في المشهد العربي بعد سنوات وعقود من التسلط الذي كان يمارس على المؤسسة الإعلامية في العراق إضافة إلى سنوات الإرهاب والفتنة الطائفية التي نالت حصتها الكبيرة من الإعلام عبر التضحيات التي قدمها رجال الصحافة .ويعد الإعلام الوطني الحر من أهم العوامل التي تحتاجها عملية التغيير لأنه من ابرز وسائل الاتصال بالمتلقي ويلعب دورا مهما في تنوير الرأي العام، بل وفي تشكيله أحياناً ونقل الحقيقة المجردة، والدقيقة، والموضوعية لكل الناس بمختلف شرائحهم، وطبقاتهم، وفئاتهم ما يعني أنه يساعدهم على تكوين مواقفهم وآرائهم تجاه ما يحدث في بلدانهم.وتقع على الإعلام الوطني مسؤولية تنوير المتلقي من خلال العمل على نشر المفاهيم الديمقراطية الجديدة المتمثلة باحترام حقوق الإنسان واحترام الرأي وتقبل الرأي الآخر وإرساء مبادئ الشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد ,وهذه المهمة لم تكن يوما بالسهولة التي يتصورها البعض إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار مخلفات الأنظمة الدكتاتورية من ثقافة ومفاهيم خاطئة .ويتحمل الإعلام الوطني الحر مسؤولية مساعدة المواطن على فهم وإدراك كل ما يحيط به من تطورات وتحولات لتشخيص الأفكار المعادية والهدامة التي تعمل على إفشال التجربة الديمقراطية الجديدة كما يعمل هذا الإعلام على تنمية الحس الوطني وترسيخ مفهوم المواطنة الحقيقية لدى المواطن الذي افتقد الكثير من حقوقه عبر المرحلة التي سبقت عملية التحول حيث كان يعيش في ظل التهميش والظلم لعقود طويلة غابت عنه جميع الحقوق والممارسات الديمقراطية .إن الإعلام العراقي بكل وسائله القديمة كالصحف والمجلات والقنوات الفضائية ووسائله الجديدة كمواقع الإنترنت والفيس بوك والمدونات ما زال مطالبا بتوضيح الصورة الجديدة التي طرأت على المشهد العراقي بعد التغيير من خلال التوعية والتثقيف ومساعدة المتلقي في اتخاذ موقفه من هذا التحول حيث يحتاج المواطن إلى وسيط نزيه ينقل له ما يحدث بصدق بدون تزييف للحقائق وخاصة ما يحدث اليوم من حراك سياسي وصراعات أصبحت تستهدف حياة العراقيين الأبرياء وأشياء أخرى يحتاج المواطن إلى معرفتها وتكوين رؤية صحيحة يتمكن بموجبها اتخاذ مواقف دقيقة،بالإضافة إلى إن الإعلام يعد من أهم الأجهزة الرقابية التي تتابع وتراقب عملية التحول لا سيما ونحن نعيش مرحلة خطيرة بحاجة لرصد التجاوزات الحاصلة باعتبار الإعلام سلطة رابعة تتصدى لدورها الوطني في الرقابة ورافدا مهما يعمل على بلورة التصورات التي تسهم في نجاح أي عملية ديمقراطية .
الصحافة العراقية والمسيرة النضالية
نشر في: 6 مايو, 2012: 07:39 م