حميد عبد المجيد مال الله مادة الورقة عن تقانة متداولة في فضاءي الرواية والمسرح يتم بمقتضاها تحويل جنس الرواية إلى جنس آخر مختلف هو جنس المسرح، وتأتي أهميتها من تحويل العلامات اللغوية المتلقاة بالقراءة أو بالإنصات، إلى كم كبير من نسيج علاماتي متنوع، سمعبصري، مجسد للخيالات الذهنية، ومغذ لها أيضاً، مبثوث يتطلب تلقي آخر غير انفرادي له منصاته وطقوسه ومكانه.
التدوير الدرامي تقانة تتم بها إعادة إنتاج (مادة ما أدبية نثرية أم شعرية) إلى (جنس المسرح) وفق قوانين ونظم وعناصر هذا الفن، وتتطلب كفاءة معرفية وتمرساً وموهبة درامية تستكشف العناصر المشتركة – والحديث عن الرواية – كما الفعل والصراع والحبكة والشخصيات والحوار، والمكان والزمان واللغة، والاستهلال والذروات والنهايات... فالتحول هنا من جنس إبداعي إلى آخر إبداعي ومكافئ.مسوغ طرح الورقة إن إجراءات التدوير الدرامي جرى تطبيقها ميدانياً خلال العقود الماضية على عدد غير قليل من الروايات العراقية لروائيين عراقيين أعلام لهم دور كبير في زيادة وتطور الرواية العراقية. ولم يسلط جهد تفصيلي مقارن على هذا النوع من النتاجات بعد تدويرها درامياً وينسحب الأمر أيضاً على جهود القائمين بمهمة التدوير. التدوير الدرامي أرى أن هذا التعبير كمقترح يكافئ أقرب مصطلحين سائدين في السياق هما (الإعداد المسرحي، والمسرحة) ويتفوق بدقته وتخصصه بفن المسرح على سواهما من مفردات ومصطلحات متداولة مثل: التناص، والتوليف، والاقتباس، والتعريق، والتمصير، وفكرة ..، وعن رواية.. ومستوحى.. ولبعضها مدلول ينطبق على المسرح وسواه معاً، بينما التدوير الدرامي له مدلول معين ومحدد حصراً. إن إطلاق هذا العدد من المفاهيم والمصطلحات على اشتغال تحويلي معين يسهم في تعددية وعدم استقرار المصطلح، وهذا ما يجابه الباحث في معاجم المصطلحات المسرحية، والدراسات النقدية، والرسائل الأكاديمية، وحتى الفولدرات كمنصات للفضاء المسرحي.إن تشخيص حيز تداولية العبارة المقترحة، وإمكانية استخدامها في هذا المجال من قبل الباحثين المتخصصين يأتيان ضمن مجالات التجديد في ضوء المتغيرات المتواصلة. كما أنهما بديل تعويضي يسهم في تقليص كثير من المسميات.نواتج التدوير الدرامي أنتجت تشكيلة بنيوية مغايرة سواء في مبثوثاتها أم في التلقي.. وأسهمت في التواصل مع قطاعات شعبية جديدة خارج منطقة (القراء) التقليدية والتعرف على الكتاب الروائيين، وترويج رؤاهم التنويرية.. وشكلت النتاجات رصيداً جديداً بالغ الثراء النوعي في مسرحنا العراقي. التدوير مصطلح صناعي أصلاً، يعني تحويل مواد خام أو مستهلكة، أو نفايات إلى منتجات أخرى، أو إلى طاقة.الدرامي تعني المسرحي.. ولو أن الدراما تشعبت إلى أنواع عديدة متباينة منها: الدراما الإذاعية والتلفازية والفيديوية والرقمية والسينمائية. وبشأن المفردات والمصطلحات وتداولها في حقول وفضاءات الثقافة يلحظ أن الآداب والفنون والعلوم تتبادلها استلافاً ومقابسة وتناصاً ومقاربة.. ومنها في المسرح كما: التغريب، والتداعي، والاسترجاع وتيار الوعي، وحتى الأرسطية: التطهير كمثال له معناه الفلسفي العميق، إلا أنه في الأصل بمعناه البسيط يعني: التعقيم في مهنة الطب، ويقال أن أرسطو استلفها كمفردة من مهمة والده الطبيب، حسب أحدث معجم للمصطلحات المسرحية.*** من تعقيدات التدوير الدرامي، أنه سلسلة تحولات تبعاً لفضاءات المسرح. أولها الاشتغال على فضاء النص، ويخضع إلى تدوير آخر يتحكم به فضاء المنصة بنسيجه الإخراجي ومكوناته التمثيل والسينوغرافيا، ومكملهما الفضاء الثالث وهو فضاء التلقي. وبذا يمارس التدوير الدرامي حراكاً جذرياً يقوض البنية الروائية، ويغربها في بعض الحالات وبالطبع إن نواتج التدوير ليست بمستوى واحد، وتتفاوت بتباعد.. فالتدوير السيميولوجي - وهو الأرقى - يشتغل بتورية دلالية للدوال: المرجع نحو مفاهيم ومدلولات مغايرة تكسب التدوير: إعادة الإنتاج حالة تغريب بأبعاد جديدة مبتكرة، إنه تدوير فيه جدة وابتكار.. وفي حالات سائدة يتخذ التدوير حالة (متخفية) بتكرار الثيمات والدوال والعلامات بتقليد المرجع.. وقد تعاود مجموعة معقدة ومتغيرة من شخصيات مدورة معروفة، الظهور في تركيبات متغيرة، ولكن مع استقرار أساسي في العلاقات في ما بينها، وفي الصفات النمطية.. وفي حالات قد يتخلف مخلّفاً إنتاجاً هابطاً.
التدوير الدرامي
نشر في: 7 مايو, 2012: 07:54 م