احمد المهناكان العدو أفضل صديق للوطن في البلاد العربية. فقد كان هناك ما يجمع بين أبناء البلد العربي الواحد طالما كان هناك عدو. وكانت التضحية في سبيل مثل أعلى سائدة، الوحدة موجودة رغم التنوع، التعاون معهود رغم الاختلاف، الروح المعنوية عالية، والأمل يملأ الأفق.
اذهبوا في رحلة سريعة الى تاريخ اي بلد عربي في مرحلة الإستعمار. وستجدون ان عداوة الاستعمار غالبا ما كانت قصة محبة وطنية. كان الوطن يزداد وجودا وكثافة كلما كان الوطن منتقصا او مغيبا او محتلا من الاستعمار. وكان الناس شركاء في الوطن لأن الوطن كان قضية عادلة. و"عدالة التحرر الوطني" لم تكن حكاية يقررها بلد معزول، ولا رواية ينفرد بها شعب يعيش على حواف الجغرافية، أو في أطراف التاريخ. وانما كان التحرر الوطني، أو تصفية الاستعمار، سمة مرحلة، وراية عصر، وشرعية دولية.ولذلك كان التناغم كبيرا بين قلب القانون الدولي الذي شرع حق تقرير المصير، وبين أطراف العالم المناضلة من أجل التحرر وتحقيق الذات. وكان الانسجام طاغيا بين مراكز "روح العصر" وبين الهوامش القادمة الى العصر من غربة التاريخ. كان سارتر صديقا معنويا حميما لفلاح مقاتل في مجاهل ريف فيتنام. وكان أناتول فرانس صديقا فعليا حميما لمحمد الخامس ملك التحرر الوطني في المغرب.كان كل شيء على ما يرام تقريبا في المستعمرات أو أشباه المستعمرات. الهدف واضح، الغاية مشروعة، الأغنية أصلية، والهتاف نداء قادم من الأعماق، والتضحية شهادة كرم ورمز عطاء الشعب، والناس على موعد آت لا ريب فيه مع التحرر، مع الاستقلال.وجاء الإستقلال. ليته لم يأت. ليت العدو ظل ذاك الصديق. كانت الهوية معلومة. بفعل العدو كانت معلومة. وعندما رحل العدو ظهر ان الهوية مشروخة في أحسن الأحوال، ومجهولة في أسوئها. من هو العربي؟ من هو اللبناني؟ من العراقي؟ هل هناك "هوية سودانية"؟بدأت رحلة البحث عن الذات. بدأت رحلة تمزق الذات. تعال يا عدو. بالله تعال. معك وحدك استطيع أن أكون، ومعك وحدك أسلم. الآن، من بعدك، أنا في محنة أبي العلاء:مهجتي ضد يحاربنيأنا مني، كيف أحترس؟نفسي تحارب نفسي. كيف احتاط من نفسي. انا لست واحدا، لست عراقيا، أنا سني، أنا شيعي، أنا كردي، انا كل رحمن نادى في هذه الأرض، وأنا كل شيطان وسوس في هذه الأرض. أنا واحد متعدد يحارب بعضه بعضا. من أنا يا بهلول؟ ظل انسان أنت يا عم لير!ان فرصة العدو لن تتكرر. ذهب الذين عرفتهم وكرهتهم. كرهتهم نعم لكن هل عرفتهم؟ وجاء الذين لا أكاد أعرفهم وكرهتهم. كرهتهم كرها موجعا وكسيفا. لا لم أعرف ذاهبا ولا آتيا. فالكراهية ليست من ثمرات المعرفة. انما هي ابنة "مهجتي" الغامضة، ابنة الغرائز والأسحار والأدغال. حلت مهجتي، تحركت، انطلقت، هبت وعصفت بالديار. قل الرجاء وزاد الألم. لا عدو يلمني ولا عقل يجمعني. العدو ذكرى سعيدة. والعقل موعد يضربه معك التاريخ، قد تلحق به وقد تخلفه.ان موعد "العقل" ليس مضمونا ومعروفا كالعدو الذي كان أوفى صديق. العدو الذي جاء من دون دعوة. وتعبنا وجاهدنا لدفنه. ثم عدنا لنزور قبوره كلما ضاقت بنا الصدور.
أحاديث شفوية : العدو أفضل صديق
نشر في: 7 مايو, 2012: 09:52 م