احمد المهنافي الثمانينيات من القرن العشرين تمتع صدام بعلاقات دولية فريدة. كان نظامه الوحيد في العالم الذي يحظى بصداقة مجلس التعاون الخليجي، الجامعة العربية، منظمة الوحدة الأفريقية، عدم الانحياز، الأمم المتحدة، المنظومة الاشتراكية، والعالم الحر. الجميع باستثناء ايران وسوريا وليبيا، وكان هذا "الثلاثي" مغضوبا عليه من الأسرة الدولية.
لم يحسن صدام تقدير هذه النعمة. فمع مطلع التسعينيات انقلب الوضع عليه، وتحول من صديق الى عدو الأسرة الدولية. أصبح، بعد احتلاله الكويت، خارجا على القانون الدولي، ومن ثم التم العالم عليه، وأصبحت الأمم المتحدة للمرة الأولى في تاريخها متحدة ..ضده، وباسمها شنت الحرب على العراق عام 1991.ومن يومها لم يعرف العراق العافية. ان لكل موقف ثمنا. كان صدام "الصديق" قويا حصينا. وصار صدام "العدو" ضعيفا ملطشة. ولم يجد وهو في هذه الحال من "الأصدقاء" غير أعداء الأمس، ايران وسوريا وليبيا، فأخذ يتودد اليهم، و"التم المتعوس على خايب الرجا"، الى أن كتب الله أمرا كان مفعولا.و"العدو" عند صدام كان خارجيا في المقام الأول. ذلك انه منذ البداية انتهى من تصفية أعداء الداخل، وجلس على عرش البلاد وحده لا شريك له.وكنا نعجب من موهبة صدام الفذة في خلق الأعداء. الرجل كان لديه كل شيء، البلد الثري والصداقة الكونية. لماذا يكفر بذلك؟ ومن أين تكونت عنده تلك الموهبة الغريبة التي قلبت أحواله، وجعلته رئيس البلد الفقير وطريد العداوة الكونية؟واليوم يبدو عراق "الديمقراطية الفتية" سائرا على دروب صدام نفسها. فعند المالكي ذات الموهبة في خلق الأعداء واصطناع الخصومات. منسوب التوتر بينه وبين الكرد ارتفع الى تبادل الاتهام بالكتاتورية. لديه مع "العراقية" حرب معلنة على رؤوس الأشهاد. وأخرى خفية مع "الهيئات المستقلة". ولولا ضغط ايران العالي لكان بينه وبين كل من التيار الصدري والمجلس الأعلى ما صنع الحداد. ولم تسلم منه حتى قوى جار عليها الزمان، فراح يشمت بهزيمتها أو غروبها. اذ تفاخر بالانتصار على "الأفكار الغربية..الإلحادية والماركسية والعلمانية".ولما كانت العين بصيرة واليد قصيرة، فان ميدان حروب المالكي في المقام الأول هو الداخل. فليس لديه قوة صدام ليشمر عن ساعديه من أجل العمل في ميدان الخارج. ولكنه رغم ذلك لم يلق الحبل على غاربه، ويترك ميدان الخارج خاليا تماما من العداوة أو الخصومة. فتركيا متهمة. والعلاقة مع معظم دول الخليج فاترة.والغريب ان الرجل بدأ من حيث انتهى صدام. فأحسن علاقاته هي مع ايران وسورية. وهذا النوع من العلاقات يضع مستقبل العراق في دائرة الخطر، لأن علاقة البلدين بالأسرة الدولية على أسوأ ما يكون. فالأولى داخلة في حرب باردة مع العرب والغرب. والثانية مطرودة من العرب والغرب. فما هو مكسب العراق من حكومات خسرت العالم ولم تربح شعوبها؟لقد سلك صدام دروبا طويلة من تصفية أعداء الداخل الى شن الحروب على أعداء الخارج، وكانت النتيجة وبالا عليه وعلى البلاد. وكانت زوادته في هذه الدروب هي الخوف من الآخر، وانعدام الثقة به، وتصعيد العداء معه الى الحدود القصوى. وهذه هي العدة الخاوية لكل من حصر نفسه في الزاوية الضيقة والمهلكة للسلطة.ان اتخاذ السلطة دِينا يعني اتخاذ الجميع أعداء.
أحاديث شفوية:على درب صدام
نشر في: 9 مايو, 2012: 09:49 م