سعاد الجزائري غالبا ما تستفزنا المصاعب والعقبات اليومية التي تساعد في تشكيل النواة لفكرة الموضوع الذي سنواجه به المعنيين أو المتسببين بتلك المصاعب. ويلتجىء الإنسان إلى بناء مؤسساتي أساسه القواعد والقوانين والنظم لمعرفة ما يحق له وما لا يحق، وحينما يتم التجاوز أو الالتفاف على هذا البناء تفلت الأمور من عقالها..
من المتعارف عليه أن السفارات تمثل دولها في الخارج، وبالتالي ما يصدر عن تلك السفارات من أوراق رسمية مصدقة وموقعة، يجب أن تعامل باحترام من قبل كل الدوائر والمؤسسات الرسمية داخل البلد المعني، لأنها صادرة عن جهة أعطيت الحق القانوني والرسمي لتمثل مواطنها في الخارج وأمام دولته.والعراق، لأسباب سياسية وطائفية أغلبها، صارت كلمات مثل: مهجر، مغترب، عائد، متداولة في الحياة اليومية، بل واستحدثت وزارة الهجرة والمهجرين بعد 2003، لكثرة من أطلقت عليهم تلك المفردات، وبالتالي فإن أوراق هؤلاء، الذين عادوا لربط خيوط حياتهم التي تقطعت بين حدود الوطن والمنافي، لا بد من أن يتم تصديقها من قبل سفاراتنا بالخارج، لكن الغريب في الأمر إن بعض المؤسسات، وللأسف قانونية منها، لا تتعاطى مع تلك الأوراق التي تحمل أختام سفاراتنا، تحت ذريعة: نحن لا نعترف بتلك المؤسسة التي أصدرت هذه الورقة، حتى وان حملت ختم سفارتنا. وربما لا يعرف الكثير، أن عملية استخراج ورقة ما ليس بالأمر الهين، فيجب أن تكون أولا من جهة رسمية معترف بها من قبل الدولة الأجنبية، ويجب أن تصادق على الوثيقة وزارة الخارجية للبلد الذي يعيش فيه المغترب، ومن ثم تتم مصادقة سفارتنا عليه، ولا ينتهي الموضوع عند هذا الحد، بل يجب أن تصادق عليه وزارة الخارجية العراقية. لا جدل حول هذا، فمن اجل التأكد من صحة الوثيقة ومصداقيتها، خاصة في زمن شهد تزويرا لم يعرفه تاريخ العراق قديما وحديثا.إذن لا اعتراض على كل المراحل التي يجب أن تمر بها الوثيقة، لكن الكارثة أنك بعد أن تستكمل كل تلك المراحل، تواجهك بعض المؤسسات التي تقول بأننا لا نعترف بهذا الختم، أو بتلك المؤسسة.تزوج الكثير من المهاجرين، خارج العراق، وولد جيل خارج أوطانهم رغما عنهم، ولكي تثبت صحة وثائقك يصبح الموت أسهل وأهون عليك بكثير، فالحصول على تلك الوثائق صار أصعب من الوصول إلى الفضاء، وعليك أن تتدرب على فنون الرشوة، أو تجد من يبتزك فيقوم بتلك المهمة مقابل آلاف الدولارات، في حين أن العملية لو سارت بشكل طبيعي لا تكلف سوى مبلغ رمزي قد لا يتجاوز الألف دينار عراقي.هل يعرف الكثير أن العائد (طبعا، ليس كل عائد، بل فقط ذلك المسكين الذي لا حائط وراءه، ولا مسؤول يقرب له) يعامل في الكثير من الأحيان بمنتهى القساوة، إن لم أقل الكره، فقط لأنه أرغم على العيش خارج وطنه في فترة ما، وبالتالي هناك قصدية في عرقلة أوراقه وإهمالها. أوراق هؤلاء تائهة في ممرات الدوائر، وليس بالغريب أن تصل إلى المرحلة ما قبل النهائية، فيطالعك الموظف قائلا:(عفوا هناك خطأ في معاملتك عليك أن تعيد صحة صدور الوثيقة!!، أو أن هذه الوثيقة لا تفي بالغرض) يقولها بمنتهى السهولة، ويدير وجهه عنك قبل أن تكتمل العبارة، دون أن يقدر المشاق التي تحملها العائد قبل أن يصل إلى تلك الطاولة التي أسقط عليها الموظف عبارته (عفوا هناك خطأ...)، ليبعد عنه هذا "الدخيل"!الحقيقة انه لا يوجد خطأ، بل هناك اختلافات في ضوابط العمل بين هنا وهناك.والحقيقة الأخرى أن الفرق واضح في التعامل بين بلدان تحترم حق الإنسان، وبين بلدان تنتهك حتى حقك في الحصول على هوية.
بين قوسين: عفواً.. هناك خطأ
نشر في: 11 مايو, 2012: 07:24 م