اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > جلسة واحدة في المربد.."هذا خبز".. والوجه الأسود للحصار

جلسة واحدة في المربد.."هذا خبز".. والوجه الأسود للحصار

نشر في: 11 مايو, 2012: 07:52 م

  عبد الزهرة زكي المرة الأولى، وهي الأخيرة أيضاً، التي شاركت فيها في أعمال مهرجان المربد كانت في عام 1997.. حين اتصل بي هاتفياً الصديق الناقد طراد الكبيسي وطلب مني الإسهام بشهادة عن تجربتي في "الشعر والحصار" لأقرأها في الحلقة الدراسية التي تصاحب المربد الشعري عادة.
 قال لي: ستكون الجلسة الأولى من الحلقة عن هذا الموضوع، وقد أرتأيت أن تكون الشهادة الشعرية في تلك الجلسة لك.كان هذا قبل موعد انعقاد المربد بشهرين..فكرت في أثناء هذه المكالمة بما يمكن أن أكتب عنه. كان حتماً أن افكِّر بـ (هذا خبز)، قصيدتي التي لم يكن قد مضى طويلاً على نشرها.. والا ما مبرر اختياري لكتابة شهادة في مثل هذا المحور.. كنت ما أزال في المكالمة حين انتابني قلق وتحسّب من اختياري ومن القصيدة ومما يمكن أن أكتبه عن تجربة كتابتها.لم يكن صعباً أن أصارح طراد، كان بيننا من الثقة ما يكفي لأن نتفاهم بوضوح في نحس تلك السنوات التي عادةً ما يذهب الناس فيها ضحايا ثقة في غير محلها. أجبته متسائلاً: سأكتب إذاً عن تجربة كتابة قصيدتي "هذا خبز"!؟ كنت أدرك حساسية تعامل هذه القصيدة مع موضوعة الحصار، فوجدت أن من المسؤولية الأخلاقية (في تلك الظروف) أن لا أتسبب في إحراج الصديق الناقد الذي كان يشرف على الحلقة الدراسية في ذلك العام. ففي حالات كثيرة كان الأذى الذي يتعرض له المسؤول المباشر عن عملٍ ما أشدّ من ذاك الذي قد يتعرض له مثقف حين يتجاوز هذا المثقف حدود المسموحات.. فاجأني جواب طراد حين قال لي: هذا ما أريده، وإلا كيف تكتب شهادة من دون الاعتماد على "هذا خبز"؟ مشيراً إلى أن القصيدة نشرت وكتب عنها الكثير. كانت هذه إشارة غير صريحة ولكنها مفهومة الى عدم التحرج من الكتابة عن تجربة القصيدة التي كُتب عنها الكثير في داخل البلد وخارجه بعد نشرها في (الجمهورية) وسواها.نعم، كنت قد نشرت القصيدة في جريدة (الجمهورية)، ولكني قبل هذا لم أكن أجد الجرأة على نشرها إلا بعد مرور ستة أشهر على كتابتها، حين زارني الصديق الشاعر عبد الخالق كيطان في الجريدة.. قال لي أريد قراءة (هذا خبز) قصيدتك التي سمعت عنها من اصدقائنا.. أطلعته على مسودة القصيدة، استغرب من عدم نشرها حتى اللحظة.. وسعى الى تحفيزي لذلك.. أجابني "أغمض عينيك وانشرها" حين قلت له: أخاف من نشرها.أعرف تماماً أن السلطات الأمنية لم يكن لها أن تشغل نفسها بتحليل مؤدّى ومضامين نص حديث لا يتعرض بشكل مباشر وصريح للسلطة، وإن كانت تلك السلطات ترتِّب (مواقف) تظل محفوظة إزاء أعمال أدبية مقلقة، بفعل عدم وضوحها بما يكفي حتى تطمئن على (سلامة) موقف الكتاب والشعراء. إن الأديب الموالي واضح، لكن (المريب) وحده من يحيط عمله بغلالة من عدم الوضوح، وإلا ما حاجة الموالي إلى عدم الوضوح، إن الطبيعة النفعية لكتابة الموالي تفرض نوعها ومواصفاتها على تلك الكتابة حتى تؤدي غرضها بشكل مباشر وتصل إلى هدفها بأيسر الطرق وأكثرها ربحية، لقد قال صدام مرة (نريد فناً لا يفسره لنا الآخرون)، ولكن حتى قبل قولته هذه كان قد أدرك فحوى الرسالة من أراد أن يدرك، فتوفر (أدب وفن) يكفيان لتأمين متطلباتها، ويكفيان أيضاً لأن يوضع الأدب (غير الواضح) في دائرة الارتياب. وفي الحقيقة، لم يكن هذا الأدب غير الواضح، هو ذاته موضع شبهة أو ارتياب. ذلك أن الكثير من هذا الأدب لا صلة له بالسياسة وأغراضها، ولكن مؤلفي هذا الأدب، مهما اختلفت أغراضهم وموضوعاتهم، هم جميعاً باتوا موضع قلق وشك دائمين. إن لا تكون واضحاً في ولائك يعني أنك تضمر شيئاً ما. السلطة المستبدة هي الأخرى مثلما السلطات الديمقراطية تؤمن بالشفافية، وذلك في معرض حاجتها إلى مواطنين شفافين، مواطنين بلا غموض وبلا بواطن وبلا سواتر وحجب.. وكثيرا ما كان هذا التعارض بين كثير من الأدب الغامض وبين متطلبات السلطة الى الوضوح مثار جدل وخلاف في كثير من الملتقيات والنشاطات الثقافية، ومن بينها المربد نفسه.لكن المربد في تلك السنوات التسعينية هو، في جوانب كثيرة منه، غير مربد الثمانينيات. لقد انفضّ الكثير من الشعراء العرب عنه واتجهوا الى الكويت والخليج بعد شحّة موارد المربد وعجزها عن مجاراة السخاء العربي في الخليج الذي عمل على تزامن فعالياته الثقافية مع موعد المربد، بحيث لا تتاح الفرصة أمام الراغبين في المربد بالتواجد هنا وهناك.. توقف المربد بعض السنوات في اعقاب حرب الخليج الثانية. وربما كان الأمل في انطواء ظروف هذه الحرب خلال سنة أو سنتين ومن ثم عودة المربد بنفس حضوره العربي هو أحد دوافع ايقاف المربد. لكن السنوات امتدت، ومعها جرت إعادة الحياة الى المربد، بحضور عربي شحيح في عدده وفي نوعيته، لقد توارت طبقة النجوم الأولى، وفي بعض المرابد، بعد احيائه، كان النجم الأول هو الفيتوري الذي عجز الحضور الكثيف الذي كُرِّس له عن تلميع صورته واعطائها حجماً أكبر من المقاس الذي انتهت إليه تلك الصورة.. صار المربد يُعقَد بصفة عراقية غالبة، وهي صفة لا تعني كثيراً للسلطات الثقافية ومن خلفها السلطات السياسية التي كان يهمها من المربد ومن سواه طابعه الإعلامي العربي ودعايته الكثيفة.. لقد استدعت صفته العراقية انفتاحه

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram