اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > إعادة قراءة الوثائق التأسيسية للفن التشكيلي العراقي: ثلاث تجارب

إعادة قراءة الوثائق التأسيسية للفن التشكيلي العراقي: ثلاث تجارب

نشر في: 11 مايو, 2012: 07:58 م

 خالد خضيرلقد تأسست في الفن العراقي الحديث ثلاث تجارب مفارقة ومتميزة عن غيرها، كونها  كرست نفسها باعتبارها تجارب تشتغل على مرتكزين أساسيين: منجز بصري متحقق،  يرافقه جهاز مفاهيمي لغوي محايث، تلك هي تجارب: شاكر حسن آل سعيد، ومحمود صبري، وهناء مال الله.
 وبينما تتماثل تجربتا آل سعيد ومحمود صبري لأنهما تتفقان بالمتجه أولا،  وبالمشكلات التي واجهتهما، وبالطريقة التي اتبعها الفنانان من اجل حل تلك المشكلات، كانت تجربة هناء مال الله تتجه في متجه مختلف عنهما؛ لأنها كانت تحاول توليد جهاز مفاهيمي نقدي من المنجز البصري ومن ثم العودة بهذا الجهاز المفاهيمي لإنتاج متحقق بصري (يتكئ) على ذلك الجهاز المفاهيمي، بينما كان الآخران يحاولان إيجاد تطبيقات بصرية من جهاز مفاهيمي سابق لوجود اللوحة أولا، ونابع من مصادر غير بصرية بعد أن جرى ترحيله من مصادر سوسيولوجية لا علاقة لها بالواقعة الشيئية للوحة؛ إلا أن ما يجمع التجارب الثلاث هو وجود جهاز مفاهيمي يقابله منجز متحقق، على خلاف عشرات من التجارب التشكيلية الأخرى. فبينما كانت محاولة الأكاديمية والرسامة والناقدة العراقية هناء مال الله، في بحثها الموسوم (النظم المنطقية في الفن) الذي نالت به شهادة الدكتوراه في فلسفة الفنون التشكيلة (الرسم) من جامعة بغداد، قد انطلقت من "افتراض وجود بنى منطقية تتخلل المستويات الصياغية في الرسم" ولذلك فهي عمدت إلى محاولة  "اختيار المنطق Logic الذي ينتمي إلى مجموعة العلوم البرهانية.. ذات النسق الاستنباطي كأداة للتحليل" أي كبديل للغة النقدية والأدبية، حيث تعتقد الباحثة  "إن اللغة النقدية، والأدبية، لم تمارس التحليل في قيم الصياغات البَصَرية، والرمزية للرسم، إلا بالحد الأدنى من الدقة، والوضوح بحكم طبيعتها ذات السمة التأويلية والإيحائية ". وفي بحثها عن جذر الكتابة المسمارية، كانت هناء مال الله تعتقد أن مفتاح (اللغة) الكتابية نبع من نماذج فخارية تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وهو ما يتفق فيه معها الراحل شاكر حسن آل سعيد في كتابه (البحث في جوهرة  التفاني ، ط1،ص53 الشارقة  ، 2003)، حينما يؤكد انه "في حدود الألف الثالث ق.م ظهرت سلسلة من الرسوم على الفخاريات تضمنت نظاما تدوينيا (تصويري) ما قبل  لغوي كان من أهم عناصره الشكل الهندسي (الواسطة – التدوينة) الذي ابتدأ من (نظام التربيع) واعني بذلك ما حفلت به فخاريات سامراء من رسوم".وقد اتخذت ذلك النظام التدويني القبل - كتابي نظاما تدوينيا تقيم عليه تجربتها الفنية في معارضها المتتابعة قبل عام 2008. على العكس من محاولة هناء مال الله في استنباط جهاز مفاهيمي ومدونة لغوية من التجربة البصرية، جرت تجربتا آل سعيد ومحمود صبري وجهة واحدة معاكسة من ناحية قيامهما بمحاولة اشتقاق التجربة البصرية، أو اتكائها على جهاز مفاهيمي نظري، وقد كان هذا الجهاز المفاهيمي ينتمي إلى مفاهيم واقعية اجتماعية خارج بصرية،  كما تتفقان بطريقة حل أهم المشكلات التي واجهتهما، فحين اتجه الرسام العراقي الراحل شاكر حسن آل سعيد متجَها (كارثيا) من وجهة نظر قيم الشكل في لوحته عندما تخلى عن (المشخصات)، ومن ثم عن قيم جماعة بغداد للفن الحديث في ما يخص الاشتراطات المقبولة للشكل، فانه ترك الباب مواربا لإدامة الصلة مع قيمها النظرية المفهومة، والمقبولة من قبل المتلقي، فقام بنقل جهازه المفاهيمي التنظيري ليقيمه على معطيات مستمدة من الصوفية بصفتها جزءا من التراث، وما يخص على وجه التحديد رؤيتها حول النقطة باعتبارها "أزل كل شيء" كما يقول الحلاج، عندما مازج آل سعيد معها معطيات مستمدة من فهم النقطة في الخط العربي التي هي أزل الحروف والكلمات ومقياسها، أو نظامها التشريحي، ومن فهم النقطة في الهندسة العربية، حيث تكون النقطة المتحركة أزل الخط الذي هو أزل السطح والذي هو بدوره أزل الحجم، ومن خلال ترحيل المفاهيم، هذا الذي مارسه آل سعيد، غدت النقطة أزل الأبعاد (dimension)؛ وصار الخط بفعل اندماج هذه التعريفات العنصر البنائي للبعد الواحد، الذي تم تعزيزه بعد سنوات من خلال دراسة الأنظمة الرياضية الصارمة للاوفاق فتم تأسيس المرتكز الأقوى للصلة مع المتلقي الذي تشبع بقيم جماعة بغداد وأطروحاتها، أي إبقاء الجهاز المفاهيمي القديم  بعد تطويعه ليسع التحول الجديد نحو التجريد اللاتشخيصي.إن ما فعله الرسام محمود صبري ليس بعيدا عما فعله آل سعيد قبله بسنوات، يمكن إذن تقسيم مراحل تحولات الرسام محمود صبري، من وجهة نظرنا، إلى مرحلتين هما: المرحلة المشخصة كان فيها رساما خاضعا لاشتراطات جماعة بغداد للفن الحديث في منجزه المتحقق فكان مقتصدا باللون وباذخا في الأشكال وتوزيعها على مساحة اللوحة، ومغرما بالموضوع وبالإنسان وبالجانب الأيديولوجي في موضوع اللوحة، بينما صار في مرحلته التجريدية الأخيرة التي سميت واقعية الكم خاضعا للاشتراطات التنظيرية لجماعة بغداد للفن الحديث؛ وباذخا باللون، على حساب الأشكال التي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram