عباس الغالبيتعد سوق العراق للأوراق المالية من الأسواق الفتية التي مازالت غير قادرة على خلق فاعلية وديناميكية في الاقتصاد العراقي ، اتساقاً مع الطبيعة العامة لهذا الاقتصاد والمتمثلة بريعيته النفطية فضلاً عن شلل القطاعات الإنتاجية وانحسار دور القطاع الخاص بشكل شبه تام .
ومن جهة اخرى فإن المشهد البنورامي للسوق ما زال يعاني من خلل في الاداء خلقته القوانين والهيئات والمؤسسات والحلقات المسؤولة عن السوق ، ولعل من اهمها هيئة الاوراق المالية وهي جهة حكومية مرتبطة بمجلس الوزراء ، الامر الذي يؤكد نزعة الحكومة الى الهيمنة غير الطبيعية على الهيئات والمؤسسات الاقتصادية التي يفترض ان تكون مستقلة على غرار ما موجود في بلدان العالم الاخرى .وما يدعونا للتساؤل عن الدور الذي تضطلع به هيئة الاوراق المالية كجهة حكومية مشرفة على البورصة في بلد ينزع الى التخلص من سطوة الاقتصاد المركزي وهيمنة القطاع العام على مجريات ومسارات الحياة الاقتصادية في العراق ، وهي بحسب معطيات الواقع الحالي قضية صعبة المنال وعصية على المشهد الاقتصادي على الرغم من صراحة الدستور وتوجهات الحكومة النظرية بأن البلد يعتمد آليات اقتصاد السوق ، حيث نرى وبشكل لا يقبل اللبس ان الدولة ما زالت هي الميمنة على النشاطات الاقتصادية وهي الممول الرئيسي لها في ظل غياب الإستراتيجية الاقتصادية للدولة وعدم وضوح البرنامج الاقتصادي الحكومي .ومن هنا فإن وجود هيئة الأوراق المالية هو جزء من هيمنة القطاع العام على المشهد الاقتصادي ولاسيما أسواق المال التي تعاني أصلاً في العراق من اختلالات هيكلية ، وهنالك بون شاسع بينها وبين اسواق المال في العالم ، وما زالت أيضاً المعادلة مرتبكة بين اقطاب اسواق المال الرئيسية ، وخصوصاً بين المصارف والبورصة على الرغم من تصدر القطاع المصرفي لتداولاتها على طول الخط ، حيث ان وجود الهيئة لم يعمل على معالجة الاختلالات في سوق المال بسبب الاختلالات الكبيرة التي يعاني منها الاقتصاد العراقي برمته والتي تلقي بظلالها في المحصلة النهائية على اسواق المال ، وما يرتبط بالنزعة الحكومية للسيطرة على مجريات العمل المؤسساتي الذي يفترض ان تكون فيه ريادة للقطاع الخاص .فما زال هذا التشابك بحاجة الى من يفككه باتجاه المعالجة والاصلاح وعدم السعي لايجاد قنوات وحلقات تصبح معرقلة لاتجاهات واليات اقتصاد السوق ، ومنها هيئة الاوراق المالية التي اصبح وجودها غير ضروري وغير مجد باتجاه خلق ديناميكية للبورصة ، ومن الاجدى ان يصار الى احداث تغييرات في قواعد واجراءات البورصة تنسجم مع اليات التحول الاقتصادي الجارية في البلد مع الاخذ بنظر الاعتبار الاجراءات الحالية الصحيحة التي تعد بمجملها خطوة وان رافقتها اخطاء وعثرات قد تتبعها خطوات اكثر رصانة واكثر جدوى لاسواق المال الفاعلة المؤثرة في التنمية والاقتصاد .
اقتصاديات :ضرورة هيئة الأوراق المالية !
نشر في: 12 مايو, 2012: 08:06 م