طارق الجبوريلم يغادر المشهد السياسي العراقي تناقضاته كناتج لمواقف الكتل السياسية التي تتعمد الالتفاف على حقيقة الأزمة وجوهرها المتعلق بطبيعة وروح هوية وشكل النظام الجديد للعراق، فتلجأ إلى تأجيل الأساسيات وطرح قضايا أخرى هي محصلة ونتيجة حتمية لسلوكيات وممارسات عجزت عن منح مفهوم الشراكة الوطنية
معناه الذي يشعر فيه الجميع فعلاً بأنه مسؤول ومشارك في قضايا البناء وترسيخ قواعد العملية السياسية ويطمئن بأن الآخر ينظر إليه كشريك فعلي بعيداً عن اختلاف وجهات النظر بشأن هذه القضية أو تلك. الأمثلة كثيرة على ما نقول وهو نهج متواصل،ففي وقت يكثف فيه رئيس الجمهورية جلال طالباني جهوده للتوصل إلى " أجواء إيجابية تفضي إلى معالجات وتفاهمات تنسجم وثوابت العمل الوطني، نرى البعض ما زال يتعمد التعامل بازدواجية مع الاتفاقات المعقودة بين قادة الكتل،فالنائب عباس البياتي مثلاً ينتقد بشدة دعوات بعض السياسيين إلى سحب الثقة عن الحكومة ويعدها مخالفة لاتفاقية أربيل في وقت لم يتحدث هو أو غيره عن الالتزامات الأخرى التي جاءت بها الاتفاقية ومنها تطبيق المادة 140 الدستورية.بغض النظر عما يشاع من تطبيق بنود اتفاقية أربيل التي نشرتها "المدى" في وقت سابق ومع تقديرنا العالي لحق النائب البياتي في عرض وجهة نظره إلا أننا كنا نتمنى أن يكون صريحاً أكثر فيحدثنا عن أسباب التعمد في عدم إجراء الإحصاء السكاني العام والأكثر مرارة أن رئيس الوزراء يقول في حديث متلفز "إن عدم التوصل إلى اتفاق بين جميع القوى السياسية قد يؤدي إلى خيارات منها إجراء انتخابات مبكرة أو تجميد الدستور.. "وهو موقف اعترف رئيس الوزراء نفسه بخطورته ما يدفع للتساؤل عن جدوى هذا التصريح في هذا الوقت الذي يحتاج إلى التهدئة! وماذا لو تجرأت أطراف أخرى وأعلنت مثل هذا الطرح؟! و ماهو الموقف الذي يفترض أن تتخذه كل القوى السياسية من شخصيات عملت بسوء قصد على تأجيج الشارع وتأليبه ضد كل من يخالفها الرأي؟!بشكل عام العراقي لم يعد يكترث كثيراً بصراعات النخب السياسية المملة والشخصية ولا يصدق وعودهم وأحاديثهم المتناقضة في الغالب وسئم رؤية وجوههم على شاشات الفضائيات دون أن يستطيعوا تقديم حلول ناجحة لها.. كما انه لم يعد يتحمل رؤية مظاهر وصور تذكره بمرارات ماض قريب، لذا تراه يتابع باهتمام تلك الأخبار التي تحذر من عودة الدكتاتورية بثوب جديد وينبه إليها، خاصة وان العراقيين جميعاً ودون استثناء قد اكتووا بنارها تحت ستار شعارات شتى.من حق العراقي أن يتحسب من عودة شبح التفرد والهيمنة وأن يلقي بالائمة على كل الأطراف وهو الذي لم ير طيلة تسع سنوات غير مزيد من الفساد وسوء الخدمات وزيادة معدلات الفقر وغيرها من مظاهر الحرمان وسوء الحال وانشغال الأطراف بقضايا بعيدة عن اهتماماته وعدم فاعلية مجلس النواب ووو، وهي حالة يتحمل مسؤوليتها الجميع بهذا القدر أو ذاك في ظل صراعات " إخوة يوسف ". وبعيداً عن محاولة الانحياز لطرف دون الآخر فإن ما نعتقده أن ورقة أربيل الخماسية قد تكون منطلقاً للحل أو قاعدة للقاء أو مؤتمرا وطنيا موسعا خاصة وأن رئيس الجمهورية جلال طالباني في لقاءاته الأخيرة مع المالكي والنجيفي والجعفري والسفير الأميركي قد أكد " ضرورة الوقوف عند الأوراق المقدمة السابقة واللاحقة " و" ضرورة السعي نحو تقوية التجربة الديمقراطية في العراق ".إن القناعة التي يمكن استقصاؤها من كلمات ملايين العراقيين بأن الجميع يشترك في تحمل مسؤولية ما نحن عليه الآن ويكاد يكون هنالك شبه اتفاق غير مكتوب بينهم على ضرورة إجراء تغيير جوهري وأساس من شأنه إزالة هذا التشويه الكبير للعملية السياسية والعودة بها إلى جوهرها الديمقراطي وهذا هو ما لم يختلف عليه اثنان سواء في دولة القانون أم الأطراف التي عقدت اجتماعها في أربيل.. ولكن مطلوب وضوح موقف وشجاعة طرح.
كردستانيات: تناقضات وحلول!
نشر في: 12 مايو, 2012: 09:06 م