علي حسينفي منطقة كركاس وسط بيروت يقيم أبو ايليا جمهورية الحلم، وهي الجمهورية التي يؤمن مؤسسها بوطن معافى يقوى باجتماع المختلفين وببساطة الإيمان بغد أفضل.. جمهورية ابو ايليا عبارة عن كافتيريا قديمة شهدت اعنف واكبر الزلازل التي مرت على بيروت، لكنها ظلت صامدة بانتظار دولة المواطن التي تترفع على كل الطوائف.
الدخول إلى جمهورية "أبو إيليا" يحتاج إلى مراجعة ذهنية لكل ما مرّ باللبنانيين من مآسٍ، فوسط الوجوه التي تحاصر الزبائن نجد صوت زياد الرحباني حادا وهو يطالب بدولة المواطن لا دولة الطوائف.. تطالعنا الوجوه في كل ركن وكأننا نتصفح البوماً لحلم مضى سريعا. وجوه تقول لنا: "هنا ستنتصر الحياة رغم كل الهزائم". ننظر إلى غيفارا بسيجاره الكوبي فيما يقف نيرودا مبتسما وهو يتطلع إلى غد أفضل وأجمل. في زاوية نتطلع إلى مهدي عامل يحذرنا من الوقوع في جب الطائفية.. نمعن النظر فيما كتبه حسين مروة وسمير قصير وجبران تويني على جدران جمهورية أبو إيليا.. كان حلمهم واضحا: "نحلم ببلاد تنهل من اختلافاتنا لتحولها إلى مصدر قوة وتماسك، بلاد متحررة من قيود الأنانيات الطائفية والحزبية"، فكان أن دفعوا ثمن الحلم غاليا، عبوات قاتلة ورصاص كاتم.في جمهورية "أبو إيليا" تذكرت اثنين من الأصدقاء كانوا يحلمون الحلم ذاته، وفي النهاية ذاقوا نفس المصير، كامل شياع وهادي المهدي. يكتب كامل شياع يوما: "ما احلم به ثقافة ديمقراطية تستعيد زخمها لتساهم في تجديد الديمقراطية الوليدة في العراق، ثقافة تنحاز للبسطاء لتحريرهم من الخوف وخرافات السياسيين".أتطلع في وجوه قادة جمهورية أبو إيليا واسترجع معها حلم العراقيين جميعا بجمهورية العدل والقانون والمساواة.. فأجد إننا اليوم نعيش في بلاد توشك أن تصبح اسما بلا مسمى.. بلاد في حاجة إلى إنقاذ، ولن ينقذها إلا استعادة حلم العراقيين بدولة المواطن، لا جمهورية الطوائف. بعد تسع سنوات على التغيير صار واضحا أن العراقيين جميعا لم يخسروا فقط حلم الديمقراطية، لكنهم يضيعون اليوم فرصة النهوض بالبلاد، وباتوا جميعا مهددين بفقدان الأمل.بعد تسع سنوات عجاف مارس فيها أدعياء السياسة كل وسائل الضرب لقواعد الحياة الوطنية، فاقت كثيرا ما دمرته الحروب. سياسيون يواصلون كل يوم إفراغ البلاد من طاقتها الحياتية.. بعد تسع سنوات لم يعد يعادل التوق إلى التغيير غير اليأس من إمكان حصوله في ظل طبقة سياسية مملوءة نفوسها بالأنانيات وحب المال والسلطة والانتهازية.بعد تسع سنوات من التدمير ومن بث اليأس في نفوس الناس كي يتخلوا عن دورهم في إدارة شؤون بلادهم.... بعد تسع سنوات بات علينا جميعا أن نجدد الحلم ببلاد تكون للمواطنين جميعا، وللمواطنين وحدهم. كانت الناس تحلم بأن تكون شريكة في صناعة الغد لكنهم وجدوا أنفسهم بعد تسع سنوات يعيشون في ظل نظام سياسي يرى في الحاكم أباً لا يجوز الخروج عليه.. ومحاسبته نكرانا للجميل.. بعد تسع سنوات يريد لنا البعض أن نتحول الى قطعان عبيد ننتظر كل شيء من "القائد الضرورة".. رغم ان معظم مسؤولينا لا يصلحون لدور البطولة في اضعف المسلسلات الكوميدية.كانت الناس تحلم بعد 2003 بأن تنتهي سنوات القادة القادمين من كواليس الانقلابات العسكرية، فادخلها ساستنا الأشاوس في كواليس الدولة الفاشلة.. دولة غير محصنة بقضاء مستقل. دولة تحسب في خانة الطائفية والمحسوبية والفساد الذي يدافع عنه ميليشيات الطوائف بضراوة. اليوم نعيش في ظل دولة الحناجر العالية، نعيش سراب دولة المؤسسات بعد أن حوّل ساستنا العراق إلى دولة استبداد انتهت إلى أن يسيطر على مقدراتها مافيا الفساد والانتهازية. اليوم نعيش مع ساسة ومسؤولين تضج حناجرهم بالكذب وعيونهم بالزيف والخديعة.انظر الى الصور التي امتلأت بها جدران "ابو ايليا" وأتذكر أننا جميعا عشنا حلم التغيير لأيام وشهور بعد سقوط تمثال "القائد المؤمن"، لكن سرعان ما سرق الحلم من قبل أمراء الطوائف وصبيان السياسة ليعيدوا من جديد تشغيل ماكنة صدام التي توهمنا جميعا أنها أصيبت بالعطب.
العمود الثامن: من سرق أحلام العراقيين؟
نشر في: 12 مايو, 2012: 09:51 م