علي حسين عبيديتوهم بعض الذين يعملون في إدارة الثقافة وحقولها، أن المهرجانات الثقافية الأدبية كلما كثرت، صحَّت الأجواء الثقافية وتطور الوعي وارتقى الوسط الأدبي والثقافي، وسحب معه الشرائح الأخرى إلى مستوى أعلى، بيد أن الذي يحدث غالبا، كما أثبتت التجارب القريبة، أن مثل هذه المهرجانات التي يغلب عليها الطابع الأدبي والمجاملات والاحتفاءات الكاذبة، تخرج من دون نتيجة تُذكر،
سوى بعض اللقاءات التي تجمع بين مجموعة من الكتاب والأدباء، أما حين يتم البحث عن النتائج التي تعادل ما بُذل من جهد وأموال ووقت وحملة إعلام مؤازرة، فإننا سنصُاب بصدمة متكررة، بسبب هشاشة هذه المهرجانات أولا، وبسبب إصرار المؤسسة الثقافية على إقامتها بطرق روتينية متشابهة، وكأنها نسخة واحدة تكرر نفسها في كل عام، ناهيك عن احتكارها من لدن رؤوس في الثقافة العراقية، ما عادت تصلح للعمل الثقافي، لا إداريا ولا حتى فكريا أو إبداعيا، وأعني هنا بالتحديد ثقافة المركز.وقد كتب كثيرون ملاحظات مهمة عن العلل التي ترافق مثل هذه المهرجانات أو الأنشطة الثقافية الأخرى، ونشرت الصحف ووسائل إعلام أخرى، تنبيهات لذوي الشأن الإداري بصدد أهمية معالجة الأخطاء التي تقع فيها إدارة هذه المهرجانات، لكن العماء المزمن يسيطر على البصائر والأبصار كما يبدو، حيث يتسابق الكبار الذين تُطلق عليهم تسمية (ديناصورات الثقافة) إلى الاحتفاء بأنفسهم وتجاربهم أولاً، فيما تبقى المواهب الشبابية من دون رعاية أو اهتمام إلا بقدر ذر الرماد في العيون، وقد طالبتُ شخصيا - في سلسلة مقالات متواصلة عن أمراض الثقافة نُشرتْ جميعها في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى- بضرورة فسح المجال للمواهب الجديدة والكف عن الاحتفاء بالتجارب الراسخة، فهي ليست بحاجة إلى الترسيخ، وأشرتُ في وصفي لثقافتنا (بالهرم المقلوب) إلى استقتال (الديناصورات) من أجل تصدّر المشهد الثقافي، وكأن الثقافة وفعلها وأنشطتها محصورة بهذه الوجوه التي ما عادت مستساغة من لدن حتى أنفسها، بسبب اللجاجة التي تتعامل من خلالها في إدارة هذه المهرجانات والمناسبات الثقافية والاستحواذ على فعالياتها وأنشطتها.ولقد نسي هؤلاء (أعني بعض من يعملون في إدارة المؤسسة الثقافية) أن المهرجانات الثقافية حتى ترسخ وتثبت جدارتها، ينبغي أن لا تكون مستنسخة، هذا أولاً، كما أن الوجوه التي تشترك فيها، ينبغي أن لا تتكرر على حساب المواهب الشبابية الكثيرة والمقصية أو المهملة إلا ما ندر، أما (الديناصورات) وهم يعرفون أنفسهم، فقد آن لهم الانقراض، وفسح المجال للتجارب الشبابية المليئة بالتجديد والحماسة والأفكار المعاصرة، سواء في الأدب أو الفن أو الفلسفة أو في جميع المجالات المعرفية الأخرى.والمشكلة أن هؤلاء الموهومين، يتصورون أن الآخرين لا يرونهم، ولا يرون عيوبهم، وحين يتردد الشباب أو المعنيون من المثقفين، في تأشير تجاوزات (الديناصورات) المتكررة خوفا أو خجلا، فإن هؤلاء يظنون أن البيت الثقافي بات ملكهم وحدهم، فيلعبون ويحلقون فيه كما يحلو لهم، مسترشدين بالمثل الشعبي القائل (ظل البيت لمطيرة، وطارت بيه فرد طيره)، حتى يبدو الحال، وكأن الثقافة والمثقفين مصابون بمرض المحاصصة السياسي أيضا، فهذه الدورة تحتفي بالرئيس الأدبي الفلاني، وتلك تحتفي بنائبه، أما الدروع (الذهبية المزيفة) فإنها من نصيب الديناصورات أيضا، وعندما نتحدث عن الإيفادات والسفرات خرج وداخل البلاد، فإن الجبين يندى حياءً وخجلا من استحواذ هؤلاء (المخضرمين) على كل شيء من دون خجل أو حساب لغد ستُذكر فيه المواقف والسيَر والسلوكيات.وهكذا فهم لا يعرفون سوى منافعهم ومصالحهم وأنفسهم وتجاربهم وإيفاداتهم والتشبث بمناصبهم، ومع هذا كله يخرجون بين حين وآخر يعيبون على هذا السياسي القائد أو ذاك، استئثاره واستحواذه واستغلاله منصبه ونفوذه، في حين أنهم يفعلون الشيء نفسه ولكن يتم ذلك في المضمار الثقافي، ولو أجريت تبادلا لمناصبهم مع مناصب السياسيين، فإنهم لا يختلفون قط، في سلوكهم وأفكارهم المنفعية الاستئثارية مع هذا القائد السياسي أو ذاك.لقد فشل الكثير من المهرجانات الثقافية بسبب هؤلاء، وحوصرَت الكثير من المواهب الشبابية، وهذا مؤشر خطر على ضعف رؤية المثقفين عموما، وغياب إرادتهم في محاصرة المخطئين والمتجاوزين، وعزلهم، وطردهم خارج الفعل الثقافي، لذا مطلوب خطة عمل ثاقبة، تجبر الرؤوس الثقافية المتحجرة على الخروج من دائرة العمل الثقافي، ليتم تسليم الشباب المثقف، مقود الثقافة العراقية المعاصرة.
كيف تدار الثقافة في العراق؟
نشر في: 13 مايو, 2012: 07:14 م