زهير كاظم عبود حين أمر حمو رابي سادس ملوك السلالة البابلية الأولى (1792-1750 ق.م ) في السنوات الأخيرة من حكمه بتسجيل نصوصه القانونية ونقشها بالخط المسماري الأكدي، في السنة الثلاثين من حكمه ، بعد أن استفاد من التجارب القانونية والشخصية لما سبقه من حكام وملوك إصلاحيين في المجتمع ،
كقوانين لبت عشتار وأور نمو والقوانين الآشورية ، حيث شكلت تلك النصوص مسارا قانونيا لمناحي العلاقات الأسرية وضوابط العلاقات الاقتصادية والإنسانية في عصر حمو رابي ، موحدا بذلك تلك الأعراف والقيم التي رسخت في عقل المجتمع في ذلك الزمن ، فتمت صياغتها على شكل نصوص قانونية ملزمة ، تم تسجيلها كنصوص قانونية يلتزم بها المجتمع ويتم تطبيقها على الجميع ، وتم نقشها وكتابتها ليس فقط على جدران المسلة ، إنما نقشت على جدران المعابد المقدسة لتصبح جزءا من هذه القدسية ، والتي عرف منها ( 282 ) مادة من أصل ( 300 ) تم نقشها على مسلته الحجرية الأسطوانية المصنوعة من حجر الكرانيت الأسود ، هذه المسلة التي كانت بطول تجاوز المترين بخمسة وعشرين سنتمترا ، لم يكن في تصوره انه يتخطى عصره ، فيضمن حقوق للمرأة ربما توازي حقوقها في بلداننا اليوم ، فقد قسم تلك النصوص القانونية لتشمل الإطار الكبير الذي يتعلق بالمحاكمات العادلة وعقوبات الجرائم ، وشؤون الجيش ، والمعاملات التجارية ( البيع والشراء والاتفاقيات ) وتعيين حقوق وواجبات الرقيق ، وقد خص الأسرة والمرأة بشكل خاص بنصوص تتعلق بشؤون العائلة والعلاقات الأسرية ، بالنظر لأهمية حقوق المرأة ككيان فاعل ومنتج في تلك الفترة ، وضمن تلك الحدود يلاحظ الحقوق التي ضمنها القانون للمرأة ، وكان لخطوة توحيد الممالك في بلاد الرافدين ونشره القوانين التي يتم تطبيقها عليها من بين الآثار التي ساهمت في اكتمال ورصانة تلك النصوص وإيمان الناس بعدالتها وقانونيتها . اللافت للنظر في هذه النصوص أنها كانت قبل ما يقارب الأربعة آلاف سنة تحكم مجتمعا بدأ ينظم نفسه ويقنن أعرافه وتقاليده ، فكانت تلك النصوص مدعاة للفخر الإنساني لما تضمنته من إشارات لحقوق المرأة في تلك الفترة القديمة من التاريخ ، ومع بعض العقوبات القاسية حيث لم تكن تلك المجتمعات تفكر بالعقوبات البديلة ، واقتصرت عقوباتها على إيقاع الأذى جسديا ومعنويا على الجسد البشري ، كما يلاحظ بعض الضوابط الصارمة التي وضعها القانون ، كعقوبة قطع يد الولد الذي يضرب أباه في المادة ( 195 ) من قانون حمو رابي ، وهي عقوبة لارتكاب فعل خسيس ، تقابلها الظروف المشددة التي يتم تطبيقها وفرضها عند تطبيق العقوبة في زماننا هذا ، ومع وجود عقوبات قد تدعو للغرابة والاستنكار في هذا الزمن إلا أن الدافع والسبب الذي جعل قساوة مثل تلك العقوبة هي الأسس والأعراف التي تم استناد تشريع النص إليها ، فالمادة ( 209 – 210 ) تعاقب على من تسبب بإجهاض فتاة أن يدفع غرامة مقدارها عشرة شقلات من الفضة وفي حال وفاة تلك الفتاة فيجب إعدام ابنة المتسبب بتلك الجريمة . ومن أجل إيجاد ضوابط قانونية لإثبات العلاقة الأسرية والزواج وحقوق المرأة في العقد ، فقد ألزمت المادة ( 128 ) من قانون حمو رابي تسجيل زواج المرأة عند قيام علاقة حقيقية وأسرية بين الرجل والمرأة ، من أجل إضفاء الحماية لهذه الأسرة ، فقد اعتبر القانون عدم تسجيل العقد نفيا للعلاقة الزوجية ، ونجد مثل هذا النص تماما ضمن المادة العاشرة من قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ اليوم والمرقم 188 لسنة 1959. وعاقبت المادة ( 130 ) من قانون حمو رابي على جريمة اغتصاب المرأة من قبل الرجل بعقوبة القتل وإعفاء المرأة من العقوبة ، ومن الطبيعي أن يكون فعل الاغتصاب دون قبول أو رضا من المرأة ، وقد عاقبت المادة ( 393/1 ) من قانون العقوبات العراقي النافذ بعقوبة السجن المؤبد أو المؤقت كل من واقع أنثى بغير رضاها ، واعتبر القانون ظرفا مشددا للعقوبة إذا لم تتجاوز المرأة 18 سنة وإذا حملت المرأة أو أزيلت بكارتها . وجاء في قانون حمو رابي في حال اتهام المرأة من قبل الزوج إذا نامت مع شخص آخر غيره ولم يتم القبض عليها متلبسة فعليها أن تحلف بالإله وترجع إلى بيتها ( 131) ، ( أي أن يكتفي منها بأداء اليمين بالإله بأنها لم ترتكب فعل المواقعة مع غير الزوج ) ، بينما عاقبت المادة 377/1 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 بحبس الزوجة الزانية ومن زنى بها وافترض علم الزاني بقيام الزوجية ، ومنح الزوج الحق بانقضاء الدعوى في حال تنازل الزوج أو قبوله بعودة الحياة الزوجية . وجاء في قانون حمو رابي انه في حال ارتكاب الرجل جناية أو فعلا خسيسا بحق بلدته وهروبه منها ، فيحق لزوجته أن تذهب إلى بيت آخر ، فإذا عاد الرجل الهارب إلى بلدته ورغب باسترداد زوجته فإنها لا ترجع له . وإذا أراد
حقوق المرأة بين التشريعات العراقية الحديثة والبابلية القديمة
نشر في: 13 مايو, 2012: 07:16 م