احمد المهناكل انتقاد فيه بعض الخشونة اوجهه أنا أو غيري الى الساسة العراقيين يؤلمني. أعرف ان جميعهم يستحقون النقد. وهي معرفة تشاركني بها الأغلبية. وخلاصة هذه المعرفة هي فشل هؤلاء الساسة في وضع البلد على سكة السلامة.وهذا الفشل ليس نابعا عن ضعف في القدرة. مثل هذا القصور يمكن التساهل معه وتسويغه. الطالب يسقط في الامتحان. أمر طبيعي. هناك دائما ناجحون وفاشلون بين الطلاب. هذه قدراتهم الشخصية وهذه أقدارهم الذاتية. وهم ينفعون أو يضرون أنفسهم في المقام الأول. أبعد ما يخلفونه من آثار لا يتجاوز عوائلهم. ولذلك تبقى قصتهم مفهومة وقابلة للغفران.
ان تفاوت القدرات بين الناس حقيقة واقعة. والسياسيون هم بين هؤلاء الناس. قد تنقصهم القدرة، أو تقل عندهم الخبرة، او تضعف فيهم الكفاءة. هذا مفهوم. ومقبول. أن ساسة العالم ليسوا جميعا من الصف الأول. هم ايضا كالطلاب مستويات متفاوتة. ولكنهم يختلفون عن الطلاب اختلافا شديدا.يختلفون في حجم المسؤولية. السياسة هي أهم وظائف البشر لأن اختصاصها هو مصالح ومصائر اعداد كبيرة من البشر. ان ضمان حياة طبيعية للشعب هو مسؤولية الساسة الذين تتألف منهم السلطات والأحزاب. واليهم تعود أسباب أي اختلال، تراجع، أو تدهور في حياة الشعب. كما انهم ايضا وراء سلامة الشعب، تقدمه، وتألقه.الاختلاف الآخر هو أن السياسة عمل جماعي وليس فرديا. ان الوزير في عمله ليس شخصا واحدا. انه جماعة من المستشارين والوكلاء والمدراء علاوة على ما بين أيدي هؤلاء جميعا من خبراء ومعاونين وأموال. أي بايجاز سلطة. ومع هذه السلطة تصبح القدرة كبيرة مهما كانت قدرة الوزير نفسه صغيرة. وهكذا فإنه لا توجد مشكلة ضعف في القدرة لدى الحاكم أو الوزير حتى لو وجدت فعلا في شخصه.وبسبب من حجم المسؤولية وحجم القدرة اللذين يتمتع بهما السياسي يصبح النجاح واجبا مفروضا عليه. أما الفشل فيعد جناية، لأنه بمثابة خيانة للمسؤولية أولا، وسوء استخدام للقدرة أو السلطة ثانيا.ولكن من اين تأتي خيانة المسؤولية أو الأمانة؟ وكيف يساء استخدام السلطة؟ أو بالعكس: من أين يأتي الشعور بالمسؤولية وحسن استخدام السلطة؟ان مصدر ذلك كله يكمن في الهدف العميق الموجه لعمل السياسة. هل هو شرعي أم غير شرعي؟ ومقياس الشرعية هو الحفاظ على الأمن القومي للبلد، أو "الوطنية" ان شئتم، وهذا مفهوم جامع لمعاني أو أهداف سلام الشعب وتقدمه ورفاهيته وحريته. وان انزياح أو انحراف السياسة عن هذه الأهداف يقودها الى خيانة المسؤولية واساءة استخدام السلطة، وبالتالي الى الفشل.ان هدف السياسة اذا تقلص من خدمة الوطن الى خدمة فرد أو قلة أو حزب أو طائفة أو إثنية، فان المصالح الوطنية ستكون في مهب الريح، والجميع يصبح مهددا بالحرب من الجميع، والسياسة كلها تتآكل شرعيتها. وهذه هي حال السياسة منذ وقت طويل في العراق. وسيماؤها مرسومة على وجوه الساسة. وكل انتقاد لهذه الوجوه يؤلمني. فهو تذكرة محزنة بأنها كل ما قدرنا على انتاجه. لماذا لا توجد في في السياسة عندنا وجوه سمحة، طيبة، وملهِمة؟ ألا تهفو قلوبكم الى مثل هذه الوجوه؟ أم أن الزمن مازال يحجب مثل هذا الشوق؟rn
أحاديث شفوية : أشواق الى القدوة
نشر في: 13 مايو, 2012: 09:15 م