TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > زمن المواهب والمعجزات!

زمن المواهب والمعجزات!

نشر في: 14 مايو, 2012: 07:01 م

ناظم محمد العبيدي في العراق بلد الألف ليلة وليلة لا يمكن أن تتوقف العجائب، فهاهنا كان للغرائبية أن تسكن في العقول والسلوك العام للناس، وليس من غرابة في بلد الحكايات الممتزجة بالمرارة والمفارقات التاريخية ،أن يبرز من صندوق الجنيات وعلي بابا والأربعين حرامي شخوص تزعموا خواء اللحظة ، وانطلقوا في ما يشبه الحلم الى أرض الحكايات التي يرويها الناس ، ومنهم صاحبنا الذي أصبح يحمل لقب مفكر بشهادة إحدى الفضائيات ، وأما حقيقة هذا المفكر واللقب الذي جاء اليه أخيراً فيستحق منا وقفة سريعة ،
لقد فقد السيد ( .....) المفكر قبل أن يدخل عالم المفكرين بطاقته التموينية ، وأراد أن ينشر إعلاناً في الجريدة فنصحه أحد أصدقائه أن يمضي الى المقهى الذي يجتمع فيه الصحفيون ، وهناك اكتشف الرجل بعد حوار مطول مع الشخوص الذين عمروا المكان ، أنه يمتلك موهبة الصحافة وأنه قد وجد ضالته أخيراً ، وتأسف حقاً على سنواته التي قضاها يعمل في مهن كثيرة أبعدته عن مكانه الحقيقي ، وعزز من قناعته أنه وببساطة غير معهودة تمكن من نشر أول مقال يكتبه في حياته (اذا جاز لنا أن نطلق عليه مقالاً) ، وساعده في ذلك أن الصحفي الذي نشر له المقال في صحيفته لا يتميز عنه بشيء سوى أنه سبقه في الحضور الى المقهى ، حيث تكتشف فيه المواهب الدفينة، وبعد أيام نسي موضوع البطاقة التموينية وتفرغ لعمله الجديد، وأصبح يزاول النشر في الصحف التي يعمل فيها أصدقاؤه الذين تعرف عليهم أخيراً، وبعد ثلاثة أشهر قضاها في التلاؤم مع وضعه الجديد بذل خلالها جهوداً مضنية، من أجل إقناع زوجته التي لم تصدق أن زوجها صحفي يستطيع الكتابة والحصول على قوته من قلمه المبدع! وفي لحظة أخرى لا تقل غرائبية عن لحظته الأولى زار المقهى مراهق يعمل في إحدى الفضائيات ، وتقدم منه يسأله رأيه عن الشأن السياسي ، ولأن كل عراقي يعتقد أنه عالم اجتماع كما يقول علي الوردي ، تكلم صاحبنا بثقة ليظهر بعد يوم واحد على الشاشة وهو يحمل لقب (المفكر)، وهي هبة كريمة من ذلك المراهق الذي وجد فيه ولسبب غامض نموذجاً للمفكر العارف بحقائق الأمور، لقد ولد كما سيولد الكثيرون مفكر خلال ثلاثة أشهر فقط، والفضل في اكتشاف موهبة صاحبنا يعود الى البطاقة التموينية وحادثة اختفائها المدهشة! ومثل هذا المفكر ولد عندنا سياسيون كبار ، فقد ذكر أحد ضيوف ندوة عرضت في فضائية عراقية أن الأمريكان حين جاؤوا الى العراق عينوا كل شخص يتحدث الإنكليزية ، وسارع الكثيرون الى التسجيل في الأحزاب قبل دخولها الإنتخابات ليضمنوا لهم وظيفة ذات أجر مرتفع ، ولم يكتف الكثير منهم بلقب سياسي ، بل صار يجادل على شاشات الفضائيات بحدة عن مشاكل كتلته ، ليس لأنه مؤمن بأي شيء ولكن دفاعاً عن مرتب لم يكن يحلم به ، ولأن الزمن قادر على ترسيخ بعض الأشياء كما يمحو غيرها ، فقد صدق الكثيرون حقيقة أنهم سياسيون كبار ، وهكذا حظي العراق بعد عهد الرفاق الذين كانوا يضعون عادة قلمين في جيب قميصهم الزيتوني ، بمجموعة رائعة من المفكرين والسياسيين الذين يضعون محبسين في أيديهم ، وهكذا تولد المواهب والعبقريات خلال زمن قصير جداً ، زمن لا يمكن أن يوصف بكل غرائبيته الا بأنه زمن عراقي !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram