TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > بالسَّلام وحده تزهو الجبال..قِداس على سَفح جبل سِفين

بالسَّلام وحده تزهو الجبال..قِداس على سَفح جبل سِفين

نشر في: 15 مايو, 2012: 06:16 م

(2-2)رشيد الخيُّونتقع كويسنجق، أو كوى، وهناك مَن يلفظها قوينجق، بين أربيل والسليمانية، وبعد عبور دوكان وجبل هيبة سلطان الشاهق بمسافة تبدأ معالم كويسنجق بالظهور، لم أجد معنى اسم مدينة تعرض للتأويلات والتفسيرات مثل اسم كويسنجق، ومَن يريد الإطلاع ينظر في كتاب جمال بابان "أُصول أسماء المدن والمواقع العِراقية".
 ونحن نمرُّ في وسط المدينة سألت صاحبي في الرِّحلة: أليس قرية أو محلة هرموته أو هرموطه تابعة لكويسنجق؟ قال: إنها قريبة جداً مِن هنا، أتريد الذِّهاب إليها؟ قلت: لو يمكن ذلك. فاستدار قاطعاً وسط المدينة ولاحت لافتة مكتوب عليها بالكردية: هرموته.قال: أين تريد هل تكتفي بالمرور بالمحلة؟ قلت: نتجه إلى الكنيسة، فأنا أعلم أنها محلة كلدانية مسيحية عامة، فلا بد مِن وجود دَير أو كنيسة. ونحن نتحادث وإذا يطل الصليب من أعلى منارات الكنيسة، نزلت سائلاً الحارس: هل لي الدُّخول، أو مقابلة القس؟ قال: لا، فالوقت انتهى والقس مشغول! أخذت ألح على الحارس، ولم اسمع منه إلا الاعتذار. ما هي إلا لحظات ويأتي شاب مستفسراً عن طلبي، فقلت: أريد مقابلة القَس! واسمي فلان وليس لي سوى الإطلاع على هذا المكان الضارب في القِدم! فقال: انتظرني لحظة. أتى مصطحباً القَس. فشرحت له ماذا أُريد. أخذني إلى داخل الكنيسة، فرأيت شابات وشبان يتدربون على أداء قداس عيد الفصح، باللغة السِّريانية.هالني المشهد، أنه كيف لهؤلاء ظلوا معتصمين كل هذا الدَّهر  في هذا المكان، ولعشرات القرون ما زالوا ينطقون تلك اللغة، على الرَّغم مِن أن لا محيط ولا الاختلاط ولا قلة النُّفوس مشجعة على الاستمرار. شرقت أفكاري وغربت ونزلت دمعة مِن عيني، تأثراً بهذا الاعتصام بالمكان والعض على الذكريات والتاريخ بالنواجذ، وتذكرت هند بنت النُّعمان، التي ظلت مجاورة للإطلال وهي معتصمة في ديرها بالحيرة. يروى إنها سألت خالد بن الوليد (ت 23 هـ) يوم دخل الحيرة فاتحاً بالقول: «هؤلاء النصارى الذين في أيديكم تحفظونهم. فقال: هذا فرض علينا، قد وصانا به نبينا. قالت: مالي حاجة غير هذه، أنا ساكنة في دير بنيته ملاصق هذه الأعظم البالية من أهلي حتى ألحق بهم"(الحموي، معجم البلدان).خرجت مِن الكنيسة وأشرت بيدي للفتية والفتيات، وهم أثر مِن قرون خلت، يقرأون سطوراً ما زالت غائبة عنا ونعدها مِن الطلاسم، فيها ما فيها مِن آثار التَّاريخ والعلوم، تلك التي اعتنى في ترجمتها الخليفة عبد الله المأمون (ت 218 هـ)، تناسلوا في هذا المكان ولا يرغبون في هجره. قال لي القس دنحا، وهو قس القرية وكنيسة مريم العذراء منذ سنوات خلت: بالقرب مِن هرموته هناك دير قديم إذا رغبت في زيارته فتفضل. بعد أن اطمأن لي ولمن معي ركب معنا في سيارة واحدة، وأخذنا نطوف في الدَّير ، وقال: إن تاريخه يعود إلى الخمسمائة أو أكثر ميلادية، لكنه رُمم عدة مرات، وتعرض للخراب بسبب تقلب الأحوال بين فترات الكراهية والتسامح، فمع الأولى يكون العنف والخراب، ومع الثانية يكون السَّلام والعمران، وها هو عمرانه الأخير تم في فترة السلم الأخير، مع الأماني بدوامها.على سفح سِفينكنت على موعد مع الأب دنحا بشقلاوة، يوم الثلاثاء العاشر مِن نيسان 2012، وهو القداس الكبير هناك، والذي يُقيمه عادة، في العراء المطران بشار وردة. قبله تكون الزيارة السنوية لضريح أو مقام ربان بويه في أعلى قمة جبل سفين، البالغة حوالي كيلومتر ونصف الكيلو. كانت المسافة ما بين أربيل وشقلاوة لا تزيد على السَّاعة والنصف السَّاعة، وكان الأب دنحا على التلفون معي، وبعد السؤال اهتدينا إلى سفح الجبل مكان انطلاق الزائرين، وساحة القداس في أصل الجبل.كان الصعود مغامرة، لم أخضها إلا بصعود جبل النُّور الشَّاهق بمكة، حيث غار حِراء مع أنه مدرج حتى النهاية على خلاف جبل سفين. أنظر إلى المتسلقين مِن أصل الجبل يبدون صغاراً كالطيور، ولا يبان سوى ألوان ألبستهم، هممت بالصعود، خطوات وتوقفت متفكراً هل استمر أم لا! قال لي الذي يصاحبني: لا يمكن لنا الصعود إنه مرتفع جداً، فنكتفي بهذا المقدار، حيث لا درجات للصعود وإنما صخور وأحجار متناثرة! قلت له: أريد الصعود، وأنت انتظرني هنا. فصار أمام الأمر الواقع ومجبر على الصعود لأنه مكلف بمصاحبتي، تملل وحاول ثنيي عن المغامرة، على الرغم أن عمره أقل مِن نصف عمري، فانطلقنا ورأيت وجنتاه احمرتا، وصعدنا حتى ذروة الجبل ومكان المقام هناك، وأنا في الطريق اسأل المتسلقين والآخذين قسطاً من الراحة، ماذا كان يفعل الربان هناك؟ وكيف وصل!كلما ارتفعت كلما زادت المخاوف مِن السقوط، فالجبل عارٍ، إذا زلقت القدم قد تهوى إلى الوادي السحيق، وعليك في ذلك المرتقى أن تكف عن النَّظر إلى الوادي. وصلنا إلى صخرة النذور أو هكذا اسميتها، وهي النازلة مِن المقام، ينزلق عليها طالبو المراد، وعليهم النِّية فقط. ولما سألت إحدى الفتيات: هل أنتِ متأكدة أن هذه الصخرة تجلب الحظ وتعطيك مرادك؟ قالت: في هذا المكان عليك أن لا تشك في كرامة ربان بويه، وأتت لي بأمثلة أنه كيف لصقت قدم أحدهم ولم تتحرك لأنه شك في داخل نفسه، وآخر تعرض لسوء ولم يخلص منه حتى أتوا به إلى هنا وطلب المعذرة. هناك مسلمون يأتون لطلب المراد، والزيارة ليست محكومة في هذا اليوم،

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram