TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > مأزقنا الحضاري

مأزقنا الحضاري

نشر في: 15 مايو, 2012: 06:21 م

ناظم محمد العبيدييمكن للمرء أن يقرأ كتاباً عن الحداثة وما بعدها على ضوء شحيح ينبعث من فانوس، ليس هذا من باب الطرافة ، لأن التقنية لا تقف حائلاً دون الوصول إلى آخر مؤلفات الفكر والأدب ، هذا ما تعلمناه في العراق ، لذلك فنحن نعرف ما يجري من متغيرات ثقافية كل بحسب قدراته وثقافته ، وبوسع الشاعر عندنا والرسام والقاص أن يمضي في محاكاته وابتكاراته إذا أسعفته الموهبة والدراية، لأن العالم أصبح واحداً بسبب وسائل الاتصال التي اختزلت الكثير من المسافات ،
أقول الكثير ولا أقول جميع المسافات، لأن ها هنا إشكاليات تتعلق بالسياسة والاقتصاد والتاريخ أيضاًإلا أن طبيعة الموضوعة التي نحن بصددها تقتضي شيئاً من الإيضاح ، فليس من المناسب القفز على بعض الحقائق الموضوعية ، ولطالما رأيتني أقف متسائلاً أمام المشكلة التي أراها ماثلة حين أقرأ أية دراسة عربية تتحدث عن أوضاع ثقافية أو اجتماعية أو سياسية كونها تتجاهل الفجوة الحضارية التي نعيشها ، والمقصود بـ( هنا ) عالمنا العربي والعراقي بشكل خاص ، لأن ما جرى ويجري في العراق وبعيداً عن الإسقاطات السياسية التي تحاول تلوين الصورة الموجودة تبعاً للأيديولوجيا المتبناة أو المصالح، قد أصاب العراق بالإضافة الى ما يشترك فيه مع بقية الدول المجاورة من إشكاليات بمعوقات حقيقية وتشوهات شملت مختلف جوانب الحياة ، وهذه المقدمة ضرورية لفهم تأثيرات الحداثة وما بعدها ، لأن هذين المصطلحين يتضمنان بالضرورة حالة من الحراك الحضاري والتطور الذي يبدو مركزه الحقيقي في دائرة الغرب ، وفي الدول الصناعية الكبرى تحديداً ، فهناك يقع الثقل الثقافي والسياسي والاقتصادي وذراعهما المتمثل بالقوة العسكرية القادرة على كتابة التاريخ داخل خارطة العالم ، والحديث عن مصطلحي الحداثة وما بعد الحداثة لابد أن يثير جملة قضايا عندنا ، ويشير إلى مفارقات واضحة أولها هل شهدنا الحداثة حقاً لكي نتحدث عما بعد الحداثة؟ الجواب كلا طبعاً إذا كان حديثنا عن جوهر الحداثة وما بعدها وفي المجالات المختلفة للحياة ، إلا أن هناك نواحي إنسانية وإبداعية – كما أشرت في البدء - تعكس شيئاً من التواصل مع ما يجري في الخارج ، أي أن سمة الاتصال مع العالم المعاصر الذي شهد الحداثة وما تلاها استطاع أن يترك أثراً لا يمكن تجاهله ، وهذا لا يعني طبعا أن المبدع في مثل هذه المجالات يفعل ذلك داخل مناخ ملائم ، بل على العكس إن ما يجري هو القفز على معطيات الواقع والتطلع الى نقطة تضيء بعيداً حيث مركز الأحداث العالمية ، وما اصطلح على تسميته في كتب السياسة والثقافة بالمركز ، فقد ظهرت كتابات تحمل خصائص الحداثة وما بعدها ، وفي الفن التشكيلي توجد محاولات في هذا المجال ، إلا أن هذا لا ينفي أن ما يحدث هو عملية لحاق وتدارك وبجهود فردية ، تصنعها ثقافة الفنان وقدراته المعرفية ، أما الصورة العامة والمستوى السائد فهو السكون عند نقطة ما ، حالة من الذهول والحيرة ، لأن ما بعد الحداثة مصطلح يشير الى جملة معطيات ومتغيرات لم يتسن حتى للفكر الغربي أن يدرجها بشكل دقيق وشامل ، وظلت المحاولات توصيفية تقترب من حقيقتها التي تستعصي على الحصر والتحديد ، فإذا كانت الحداثة قد توضحت ملامحها طيلة زمن طويل نسبياً ، فضلاً عن نتاجاتها التي يدين لها العالم بكل ما يتمتع به من تقنيات وتطور علمي ، فإن ما بعدها لم يصطنع الكثير مما يشار إليه، بل إن ثمة ردودا لا يستهان بها على مفكري ما بعد الحداثة ، وتبدو قوة ما بعد الحداثة كثقافة ونمط فني في أنها تعود إلى الماضي بروح ساخرة في حين كانت الحداثة تتمنى دون طائل أن تلغي الماضي كما يقول (إمبرتو إيكو)، ويضيف أن ما بعد الحداثة هي في جوهرها تكنيك ونبرة ، ووفقاً لهذا التصور يمكننا أن نشير إلى الكثير من الأعمال الأدبية التي كتبت في هذه المرحلة ، ونعني بها تلك التي حفلت بروح التهكم وطريقة التعامل مع الماضي والطرائق القديمة في الكتابة ، ولا يسعنا تجاهل ونحن نتحدث عما بعد الحداثة أن نتجاهل تلك الحساسية التي لم تعد تستقبل الكثير من الكتابات بذات الروح التي كانت سائدة ، لأن هذا يشير كما يقول ( إمبرتو إيكو ) إلى تغير في النبرة بل والمزاج المفعم بالسأم ، وكأن أدب وفن ما بعد الحداثة يبحثان عن منطقة أخرى خارج الأفق المتاح ، تحركهما  روح التهكم والضيق بكل ما كان سائداً ومستهلكاً ، فإذا كان أنصار الحداثة يحاججون الحداثيين الجدد بما أنجزته حقبة الحداثة فإن المنظرين لما بعد الحداثة يشيرون إلى ما أغفلته الحداثة من جوانب أخرى ظلت بعيدة عن الأدب والفن ، ويرون أن إثارة السخط بالطرائق الجريئة أفضل من التوقف عند لحظة ومحطة زمنية لم تعد تلائم ذائقة المتلقي المعاصر ، وفي أدبنا العراقي ما زال الوقت مفتوحاً لتجارب قادمة ، لأن ما يجري في الخارج من متغيرات ينتمي الى بيئات معينة ، ويحتاج إلى زمن أحياناً لكي يحدث تأثيره في النصوص الإبداعية، ولذلك مبررات لا يمكن تجاهلها ، فمن طبيعة النصوص أنها تتصارع في لعبة تنافس وتجاوز ولا تصنع من العدم ، وبرغم الانفتاح والتواصل الذي يحدث إلا أن هناك مناخا حضاريا وثقافيا يخيم بلا شك على كل نشاط شئنا أم أبينا ، بيد أن ذلك لا يمنع من أن تجري قفزات متمردة تجترح لذاتها خطاً مغايراً يستمد من هواء الخارج مبررات وجوده ، وهذه إحدى سمات الروح الإبداعية التي حفزت الحداثيين من قبل .إن التناقض الحاصل في حياتنا بشكل عام والث

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram