فواز طرابلسي تستحق الذكرى الرابعة والستون لاحتلال فلسطين وقفة تفكير في زمن الثورات لوضع بعض النقاط على الحروف. ولو تمّ الامر بالتنقيط السريع. اولا. لقد انتهى ما يسمّى «عملية السلام» العربية الاسرائيلية بانهيار اتفاق اوسلو والاستعصاء على الجبهة السورية-اللبنانية. عاش اتفاق اوسلو في الوقت المستقطع بين نهاية الحرب الباردة وإعلان «الحرب الكونية على الارهاب ».
قام الاتفاق أصلا على ايثار منح القيادة الفلسطينية سلطة بديلا من منح الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير. وتم الارتداد الاسرائيلي عليه مع تولي نتنياهو الحكم وتأجيل الانسحابات والتعجيل في عجلة الاستيطان المستمرة والمتصاعدة. وفيما أمل الطرف الفلسطيني بدولة لقاء وقف الانتفاضة، تصوّر الطرف الاسرائيلي ان الوظيفة الرئيسة للسلطة الفلسطينية هي حماية أمن اسرائيل. وحماية أمن اسرائيل كان ولا يزال هو المشروع الوحيد الذي تملكه اسرائيل، مدعوما بالولايات المتحدة، فلسطينيا وعربيا واقليميا. ثانيا، لم يكتفِ اتفاق اوسلو بتكريس الحل الثنائي الفلسطيني-الاسرائيلي، على غرار اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة، وفصله عن النزاع العربي الاسرائيل بعامة. شرّع لكل اشكال التملّص والتطبيع والتواطؤ والتخلي العربية الرسمية من هذا النزاع بحجة عدم المزايدة على أصحاب القضية انفسهم. ثالثا، افضت خطة تسليم الولايات المتحدة «كل الاوراق» على اعتبارها الطرف الوحيد القادر على فرض التنازلات على اسرائيل لايجاد حل عادل للنزاع العربي الاسرائيلي، الى النتيجة المتوقعة: استحوذت اميركا على كل «الاوراق»، عنوة او طوعا، حتى انها قضت على ادعاء انها «الوسيط النزيه» عندما تبيّن للفلسطينيين انهم يفاوضون عمليا محورا اميركيا- اسرائيليا مشتركا. وبدلا من ان يكون هذا منعطفا يستوجب التخلي عن الخطة والضغط بالاتجاه المعاكس على الولايات المتحدة، اتجه الضغط في الاتجاه المعاكس، وصار السائد عربيا، على الصعيد الرسمي اقل، استعجال الخلاص من القضية الفلسطينية من اجل الانتهاء من آخر نقطة خلاف مع الولايات المتحدة.رابعا، اتضح مدى الخطل الاصلي في معادلة الارض «مقابل السلام» عندما تكشّف ان لا اسرائيل تحتاج الى السلام - بل أخطر ما يتهدد وجودها هو اقامة علاقات طبيعية مع محيطها - ولا العرب قادرون على منحها السلام. فمن يهب السلام هو من يستطيع ان يصنع الحرب او ان ينتصر فيها. هكذا انتهت صلاحية «مبادرة السلام العربية » التي صاغها ملك العربية السعودية ويتباهى صحفي اميركي سطحي ودجّال انه أوحى بها وشارك في صياغتها: الانسحاب من كل الاراضي المحتلة العام 1967 مقابل كل السلام: الاعتراف والتطبيع الكاملان.خامسا، لا تملك إسرائيل مشروعا للاستسلام. لمحمود درويش قول اثير في هذا الموضوع. كان يقول متحدّيا: أروني اين هو مشروع الاستسلام الاسرائيلي لأوقّعه. ما تملكه اسرائيل مشروع لفرض الامر الواقع الزاحف من اجل المزيد من الاحتلال الاستيطاني، والتوسع، والتهويد للجليل والنقب، والسعي لتحويل العداء لها الى عداء لايران، والتمسك باحتكار السلاح النووي، والاهتمام بنوع خاص من التقارب مع انظمة النفط الاستبدادية والسعي لامتصاص ما تستطيعه من سيولتها. سادسا، النكبة الكبرى التي تحل بقضية فلسطين وبالنزاع العربي الاسرائيلي هي الآن انها معيشة في إلحاح حاضر يمنّن نفسه بغد ألفي خرافي: حسم عسكري يأتي بين ليلة وضحاها. ولعل أبرز سؤال جدير بالتفكّر فيه هنا هو كيف الخروج من نفق «الان الان وليس غدا!» ليصير «الآن» طريقا يؤدي الى غد بدلا من انتظار لفرجٍ يأتي من الغيب. سابعا، دلّت تجربة العقود الاخيرة، لمن لا يزال يتوهم، ان الدكتاتوريات وأنظمة الاستبداد السلالية العربية قوية فقط ضد شعوبها، تهدّد بتفكيك وحدة تلك الشعوب خلال انهيارها او لتمسكها الدموي بالسلطة. وعكسا، فالقوى التي دمّرت العراق وليبيا أنظمة ديمقراطية، واقواها انظمة فيدرالية فوق ذلك.ثامنا، وهو بيت القصيد، حملت الانتفاضات دلالات جديدة متباينة لقضية فلسطين والنزاع العربي الاسرائيلي. ففقد كشفت على الملأ مدى البون الذي احدثته اتفاقية اوسلو والحلول الثنائية بين القضية الفلسطينية ومصالح وقضايا فئات واسعة من الجماهير العربية. يظهر الامر مجسّما اذا ما نظر اليه من منظار التعارض الذي درجت عليه اوساط عدة بين داخل وخارج. فكيف يعاد الوصل بين داخل اطلق حممه البركانية وبين ما يبدو انه خارج راكد؟ لعل اولى الخطوات هي تحرير فلسطين من بعض الاوهام. ومنها وهم الاجماع وملحقه، الفَزْعة البدوية. كم مرة أكدت التجارب القريبة والبعيدة ان الطريق الى فلسطين، واي حلّ بصددها، تتوسطه انماط الانظمة العربية القائمة ونوعية ارتباطها بالقوى الغربية وطبيعة توازن القوى القائم بين الدول العربية واسرائيل. وثمة وهم فلسطين «الرافعة» التي سوف تثوّر الشعوب العربية وتنوب عنها في تحريرها. وهو الوهم الذي يرى في كل سلاح معادلا للتغيير إن لم نقل للثورة. ببساطة: فلسطين - بما هي قضية حق التقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي هو آخر الشعوب المستعمَرة على هذه الكرة الارض
نقاط على حروف الذكرى
نشر في: 16 مايو, 2012: 06:55 م