بغداد / نورا خالد ............ تصوير/ محمود رؤوف "الشاعر عواد ناصر الذي يبدو عند البعض غريباً أو ربما غير معروف، وهذه واحدة من دلالات الاستبداد على الثقافة، حينما يُطرد الشعراء مثلما تُطرد كل الكائنات المضادة، الشاعر بهذه المواصفات هو كائن مضاد، كائن يُرحِّل اللغة من يومياتها المستهلكة إلى فعاليتها المتجددة"، بهذه الكلمات بدأ الناقد علي الفواز أصبوحة بيت المدى للثقافة والفنون صباح أمس الجمعة بشارع المتنبي للاحتفاء بتوقيع كتاب الشاعر عواد ناصر (أحاديث المارة).
كاظم الواسطي: صداقة أهم من الشعرأول المتحدثين عن الشاعر عواد ناصر صديقه كاظم الواسطي الذي أشار إلى أن علاقته معه بدأت في بداية سبعينات القرن الماضي وتعمّقت في أجواء صداقات حميمة تميزت بالتنوع في مجال الاهتمامات المشتركة فكراً وسلوكاً. "كنا جماعة من الشبان الصاخبين والمشاكسين لأعراف وتقاليد، في السياسة والاجتماع، أثقلت أرواحنا ببلادة مسلّماتها وقناعاتها الصادمة لفكرة التغيير والأمل. كنا بين فكيَن مفتوحين لطحن الأحلام، وتقويض الآمال، فكَّي سلطة قمعية مهووسة بتدمير كل ما هو اخضر في روح الإنسان، وتشييد الحر بنداءاته الكوكبية، اللاهثون بين الكلمات بحثاً عن المضمر خلف حروفها، والراكضون في أزقة الفقر الموحلة دون خشية من الطين وديدانه، فقد تشكّلت في أرواحنا المعذّبة رادارات شديدة الحساسية تكشف بؤر الخطر، وخبث النوايا عن بعد كون أو أكثر بقياسات السماء المحظورة. ومن هناك بدأ صخبنا لإعادة تشكيل خارطة الأفكار، وتعديل مسار طرائق عيشنا المذل. فكانت بداية أحلام ما قبل العشرين تبحث لنفسها عن منجز في تقويم الممانعة والرفض، فتدفق من خشونة إظفارنا المبكرَة الشعر، والقصة، واللوحة، والمسرحية، والنص المؤجل حتى زمن الخراب الأكبر. وكان عواد ناصر واحدا من المبكرَين منَا في كتابة الشعر، وكرَس وقتا له في النشاط والمشاركة والتداول بين جماعتنا الكومونيَة حقاً في التعاطي مع بعضنا، والتواصل الذي لا يقطعه خلافَ طارئ أو مشاكسة. تواصل شبه يومي في المقاهي وحانات شارع أبي نؤاس حيث نقاشاتنا المحمومة بكتاب صدر حديثا، وآخر معرض تشكيلي، ومسرحية جديدة، وهموم السياسة التي كانت تأخذ منَا الوقت الأكثر وتجعل لمداخلاتنا وأجواء تفكيرنا مناحي حماسية ومثيرة. فما كانت السلطة الفاشية تقوم بنسجه من سياسات ثعلبية للتأثير على واقع السياسة والمجتمع وتجريد قسم من الكتاب والفنانين والمثقفين من أخلاقية الموقف والضمير، كان يصعق أرواحنا، ويستفز عقولنا المتوجَسة من ماكنة الخراب التي كانت أجزاؤها تصنع أمام عيوننا بالتدريج، وبمهارات واضحة الخبث. كان البعض منَا يصرخ، ويجادل بقوة الخوف على المستقبل، مطالباً قوى الضفة الأخرى التي جرَبت قسَوة ماكنة شباط الدمويَة، إن تكشف هذي اللعبة منذ البدء، وتفضح مختبرات تصنيع الخراب القادم. راح صراخنا في مهّب الإهمال والاتهام، وخرجنا من ملعبه التسويات بهزائم طعنت الأمل في الخاصرة. ودخلنا مرحلة نقاشات عميقة، واجترار أفكار أكثر عمقاً، سرقت من أعمارنا الكثير، وعطلت مشاريع إبداع متنوعة كان يمكن لها أن تشكل معلما يشار له بقوة التأثير والانتشار. بل لم نسلم على حياة عادية يعيشها بنو ادم في مناطق أخرى من هذا العالم. فتفرقت الجماعة فرادى على مساحة وطن لا تتسع لصوت، وفي أرخبيل مناف ضيع الحلم الأول على أرصفة غريبة. زمن من نزاع مرير، عائد كشوفات رادارتنا وتربَص لأحلامنا الفتَية غول الخراب الذي انقضَ على كل شيء. فكانت حروبا، وزنازين موت، وعزلة أرواح معذبة، وإرهابا لا نعرف له اسما، ولم يحدد له مكان ما زال يعصف بحياتنا، ويهدد مستقبلنا، وبعد كل هذا، ها هو عواد ناصر بيننا قادما من منافي العراقيين التي لم يتسع لها الكوكب.. يقرأ شعراً، وجدت ميلا في نفسي لأن اسبقه بحديث عن صداقة كانت يوما هنا هي بالنسبة لي الآن، وبصراحة أقولها لكم ولصديقي، أهم من الشعر"؟ بشير حاجم: شاعر النص المفتوحوحاول الناقد بشير حاجم في قراءته لكتاب (هامش عراقي: حدث.. ذات وطن) أن يثبت أن الشاعر عواد ناصر واحد من شعرائنا العراقيين الذين كتبوا النص المفتوح كتابة واعية باشتراطاته الفنية التي وردتنا من امبراتو ايكو خصوصاً.وقال حاجم : بدءاً من الغلاف الخارجي الأول ينفتح العنوان على قراءات متعددة تتعلق بتشكيلات كلماته المتعددة. ثم تنفتح نصوص المتن بدورها على شعراء وفلاسفة ومحاربين وغيرهم. كما تنفتح على هوامش جمالية تخفف من السياسي الذي يعتريها. وفي النص الأول الذي صار عنوانه عنوانا جامعاً للكتاب ثمة إشارات صريحة إلى (( النص المفتوح)). ولهذا نجد أن مجمل نصوص الكتاب ذات نهايات مفتوحة. كما أن هذا المجمل بفعل اشتغاله على آليات نص كهذا يعني أن الكتاب ليس كتاب نثر وشعر بقدر ما انه كتاب ينثرن الشعر ويشعرن النثر.عواد على المنصّةبعدها اعتلى الشاعر المحتفى به عواد ناصر المنصة ليقرأ بعضا من نصوصه وسط ترحيب الجمهور الذي غصت به القاعة، وقد بدأ بقصيدة قال عنها إنها اقصر قصيدة كتبت في الشعر العربي: عاد الشيخ المنفي عاد الشيخ المنفي إلى وطنه عاد الشيخ المنفي إلى وطنه ليلقن أحفاده تعاليم المنفى المقبل.القصيدة الضائعةأنا القصيدة الضائعة التي لم يعثر عليها الشاعربعد أن بحث عني كثيراًفي كل مرة يعتقد بأنه عثر عليّفيكتبني،لكنني لم أكن أنا القصيدة الضائعة.أنا القصيدة الضائعة أجدني مختبئة في مكان ماربما إلى الشاعر من أصابع
بيت المدى يحتفي بأحاديث عواد ناصر
نشر في: 18 مايو, 2012: 08:48 م