حازم مبيضين تفتق ذهن المسؤولين في الأمم المتحدة، عن تخريجة بائسة حول المسؤولية عن التفجيرات الأخيرة في دمشق، فتم الإعلان بأن هناك طرفاً ثالثاً، غير النظام والمعارضة، قد يكون وراء تلك التفجيرات الإجرامية، وهكذا وبجرة قلم، تمت تبرئة طرفي الصراع الدائر في بلاد الشام، من دم الأبرياء المراق عند المتحلق الجنوبي،
وليس بعيداً أن يتنطح المبعوث الدولي العربي كوفي عنان، لإصدار صكوك براءة للطرفين، ترفع عنهما المسؤولية عن دماء أكثر من عشرة آلاف قتيل، سقطوا خلال ما يزيد عن العام في أنحاء سوريا كافة، وكأن مهمة المراقبين الدوليين هي البحث عن مجرم وهمي ومجهول، يتم استحضاره من خارج دائرة الصراع ليتحمل المسؤولية، علهم بذلك ينالون ثقة الأسد ومعارضيه في الوقت عينه، وذلك بعيد بعيد. الأمين العام الأممي يشترك في الجوقة الناعقة، معلناً عدم وجود أدلة قاطعة لدى المنظمة الدولية، على أن تنظيم القاعدة يقف وراء تلك التفجيرات، ونحن هنا أمام أحجية بالغة التعقيد، فالنظام غير مسؤول، وكذلك المعارضة، وفوقهما تنظيم القاعدة، وفي هذه الحالة فإن الفاعل ربما أتىي من الغيب، وإلى الغيب عاد، والنتيجة تسجيل القضية عند الأمم المتحدة ومراقبيها ومبعوثيها ضد مجهول، وليذهب الضحايا إلى النسيان، ولتذهب أسرهم التي فقدتهم في غفلة من ضمير إلى زوايا البؤس والحزن، ولينتظر سوريون آخرون مصائر مشابهة، قد تدهمهم وهم في طريقهم لجني الرزق، أو لتحصيل العلم، أو لأي سبب قد يكون دفعهم لمغادرة بيوتهم، في صبيحة أحد الأيام القادمة بكل سوادها.لا نظن أن المسؤولين الأممين وهم يطلقون تصريحاتهم هذه، فكروا بما خلفته إنسانياً تفجيرات دمشق، وكيف هي مشاعر وأحوال العائلة التي خرج معيلها صباحاً، ولم يعد منه غير أشلاء، لم يعرفوا كيف يمكن أن يتعرفوا إليها أو يودعوها، وكيف هي حال الأم التي اجتهدت صباحاً في نوع السندوش الذي تحضره لطفلها، ليتناوله في مدرسته حين يشعر بالجوع، وهي تعرف اليوم أنه لن يتمتع يوماً بما كان يشتهيه، بعد أن حصدته التفجيرات المتجولة بكل قبحها في أزقة وشوارع المدن السورية، وكيف سيطيق شيخ ضرير صبراً بعد فقدانه لابنه الشاب الذي يعده ذخراً لشيخوخته، وكيف وكيف، وكلها أسئلة لن تجد جواباً واحداً عند عنان ومراقبيه، ولا عند المتصنمين على الأرائك الوثيرة في مجلس الأمن، أو المتجولين بكامل أناقتهم في أروقة الأمم المتحدة.لا نعرف المجرم الذي ارتكب مذبحة دمشق الأخيرة، وإن كنا نستطيع التخمين بحسب الاتجاه السياسي لدى كل واحد منا، وليس مطلوباً منا التأشير على ذلك المجرم في ظل وجود محترفين أممين نفترض فيهم الحياد، ويقع على عاتقهم الإعلان عن هوية ذلك المجرم وليس الاختباء وراء اتهام مجهول، وكفى الله المؤمنين القتال، فالقاتل ما يزال طليقاً، وهو بالتأكيد يعد لمجزرة جديدة تصبغ وجه الشام بالدم’ وتزرع الحزن والأسى في عدد من بيوتها، وعلى عنان والذين معه عدم الاكتفاء بتناول الكرز الشامي، والتمتع بطعمه الطيب، وملاحظة أن له لوناً يشبه تماماً لون الدم، وأن طعمه سيتحول في حلوقهم مستقبلاً لنفس طعم الدم.
في الحدث :الأمم المتحدة: تفجيرات دمشق ضد مجهول
نشر في: 19 مايو, 2012: 07:45 م