 علي حسينمُنتهى الجرأة أن يحاول البعض القفز فوق معطيات الواقع ليتحدّث عن حملات تضامن وتظاهرات لنجدة أشقائنا في البحرين، بينما الملايين من شعبنا يعيشون تحت خط الفقر، ومع احترامي للسيدات اللواتي خرجن أمس في ساحة الفردوس يطالبن بعزل حكام البحرين، فقد كانت ساحات الوطن أَولى بأن ترتفع فيها أصوات نسوتنا ضد الجهل والتخلف والتفرقة وعدم المساواة وضد جرائم العنف ضد النساء،
وضد التمييز، وضد عدم حصول المرأة على مكانتها الحقيقية في المجتمع.. ففي بلد تخرج نسوته لنصرة المرأة البحرينية نجد ساسة يرفضون أن تتولى المرأة منصبا قياديا، ويستعيذون بالرحمن من أن تتجرأ امرأة وتمد يدها لمصافحتهم. أيتها السيدات، علينا ألاّ ننسى جميعا أن هناك فقرا وعوزا في العراق وان هناك عوائل تنام تحت سقوف من الصفيح، وان إرادة الناس مستلبة وان البلاد على شفى هاوية بسبب صبيانية وتعنت مسؤولينا الكبار. لقد مارست الحكومة وأجهزتها الأمنية أبشع وسائل القمع ضد التظاهرات، واستخدمت كل أشكال الترهيب لكي ينسى العراقيون أن لهم حقوقا في رقاب المسؤولين.. قالوا لهم مبكرا إن 25 شباط سيكون يوما داميا وعنيفا.. أعلنوا أن مؤامرات خارجية وداخلية جاهزة للتنفيذ من خلال هذه التظاهرات.. وأن مخططات لزعزعة الاستقرار وتقسيم البلاد ستكون في انتظار من يخرجون ليهتفون ضد الفساد والمفسدين.. فما الذي تغير؟ وقبل أن يحاول البعض تفسير الموضوع باتجاهات أخرى فأنني مع الشعب البحريني في انتفاضته ضد الظُلم ومطالبه العادلة في إقامة نظام دستوري، ومع انتفاضة أشقائنا في سوريا الذين يتعرضون لبطش لا مثيل له ومع ثورات وانتفاضات الشعوب العربية التي ظلت تعاني من ظلم سلطة الزعيم الأوحد.ولكنّي أتمنى أن تجيبني الجهات المسؤولة على سؤال يحيرني، ألمْ يُصدر رئيس الوزراء أمرا بمنع التظاهرات في ساحة الفردوس؟، وهل نسيت الحكومة أنها لم تسمح لعمال العراق بان يحتفلوا لأن في ذلك خرابا للوطن، فهل تخضع قرارات الحكومة لمزاج بعض المسؤولين؟ أم ان التظاهرات التي تطالب بالخدمات والإصلاح حرام، فيما التظاهرات التي تساند البحرين حلال، وهل الحكومة لديها مقياس تقيس به درجة التظاهرات وأهميتها، فإن وجدت، أنها لا تحقق أهداف الحكومة قامت بإلغائها، وان كانت تسبح بحمد اولي الامر بتوفير المال والرجال وأيضا "باصات" الدولة في نقل المتظاهرين. كنت أتمنى لو أن نسوة العراق توجهن بخطبهن وشعاراتهن من اجل نصرة أهالي الأحياء الفقيرة في البصرة وميسان ونينوى وصلاح الدين وبابل والنجف، ولكنها الكوميديا التي يتحفنا بها البعض دوما، وهي كوميديا تتحول إلى كارثة في أحيان كثيرة لكنها في النهاية مضحكة حتى ولو كانت سوداء. كنت سأفتخر ويفتخر معي العراقيون كافة لو أن سيدات الأمس توجهن صوب مجلس الوزراء للمطالبة بان تأخذ المرأة مكانتها الحقيقية في مؤسسات الدولة، وكنت أتمنى لو أن سياسيينا الذين صدعوا رؤوسنا بخطب حماسية عن البحرين يطالبون الحكومة العراقية بقطع علاقاتها مع نظام بشار الأسد، وكنت أتمنى ألا يستمر هذا المسلسل الكوميدي الساعي إلى الاستخفاف بمطالب العراقيين والذي توج بقرار رئيس الوزراء بمنع التظاهرات، كنت أتمنى أن يعرف السادة أصحاب تظاهرات البحرين أن في العراق عوائل لا تحصل في اليوم على أكثر من دولارين، هؤلاء الفقراء تظاهروا ويتظاهرون ولكن لا من مجيب، وكنت أتمنى لو أن سيدات الأمس خصصن احتجاجهن من اجل أخوتنا المسيحيين الذين هجرهم أصحاب مشروع الدولة الدينية وجعلوهم هائمين في طرقات الغربة.ان البعض من سياسيينا يحاول بشتى السبل أن يتقرب من شعب البحرين لأنه يستحق المساعدة، ولأنه ثار بوجه حكامه، لكنهم وللأسف فأنهم يغضون الطرف عن مطالبات العراقيين بالعدالة الاجتماعية وتراهم يسخرون من تظاهرات الناس في ساحة التحرير، فهم يملأون الفضائيات صخبا وضجيجا دفاعا عن حق الشعوب بالتظاهر والاعتصام، وبالمقابل يلعنون العراقيين لأنهم يرفعون شعار انقذونا قبل خراب البصرة.