طارق الجبوري كغيري من ملايين العراقيين كنت أمني النفس بإمكانية أن ترتقي الكتل السياسية الصاعدة بعد 2003 بأدائها إلى مستوى ما تفرضه طبيعة المرحلة، غير أن الذي حصل -مع الأسف -هو عكس ذلك تماماً فقد أنتجت المحاصصات شيئاً لم نألفه في مجتمعنا الذي ظل متمسكاً بقيم المواطنة والتآخي رغم إصرار أنظمته في العهود الماضية على استخدام القوة العسكرية لمحاولة فرض إرادتها على حساب حقوق كل العراقيين وبالأخص جزءاً أساسياً من مكونات مجتمعه ونقصد بهم الإخوة الكرد.
هذه حقائق لا تحتاج إلى أدلة وبراهين ويكفي أن نقلب صفحات التاريخ القريب لنرى كم كانت خسارتنا كبيرة كوطن ومواطنين ونحن نردد بوعي أو بدونه صفات حاولت الأنظمة إلصاقها بكل من يطالب بحقوقه وأقلها كانت كلمة "عصاة " وخارجين على القانون.اليوم يبدو أن البعض يريد أن يعيد السيناريو نفسه، متجاهلاً تغير الظروف والمعطيات، وهو ما لا يريده أي عراقي، و قد سبق أن حذرنا في أكثر من موضوع عن مثل هذا النهج الخطر المنافي لقيم الديمقراطية، الذي يتوهم فيه البعض إمكانية حل الخلاف مع الآخر بطريقة التسقيط وترويج الأكاذيب وتسخير وسائل إعلام وكتّاب وصحفيين عراقيين وعرباً وأجانب لهذا الغرض وهو ما يلحق الضرر بكل العراقيين عرباً وكرداً وكلدوآشوريين وغيرهم.من الطبيعي في أي نظام ديمقراطي أن تكون هنالك وجهات نظر مختلفة، وفي أوضاع مثل العراق متنوع التكوينات بل الاتجاهات يكون الأمر أكثر من طبيعي، غير أنه ينبغي تجنب التعامل مع الموضوع على طريقة الغالب والمغلوب وكأننا في معركة يسعى كل طرف فيها تحقيق النصر لنفسه على خصمه! كما أن هنالك فرقا بين النقد الموضوعي والمحايد وبين الطعن والتجريح ونظن بل نعتقد جازمين أن كتابات مايكل روبن وتسابق بعض الصحف لنشرها يقع ضمن هذا التوجه. سأحاول الابتعاد قدر الإمكان عن نظرة الريبة المسبقة التي اعتدنا عليها إزاء ما ينشر في الخارج، رغم القناعة بأنها لابد من أن تكون موجهة لأداء غرض، ولكن هذا لايمنع من الإشارة إلى ما حاول أن يشيعه من معلومات تتناقض وكونه باحثاً وخبيراً، فما فيها من هجوم خفي أحيانا وصريح في أحيان أخرى على كل أطراف العملية السياسية بدءا بعلاوي وانتهاءً بالصدر مروراً بالتجربة الكردستانية دون دليل أو نماذج تعزز ما يقوله هو تفنيد لكل ما قاله. و رغم محاولته اصطناع الموضوعية التي كشف زيفها هذا الدفاع المستميت عن مواقف رئيس الوزراء المالكي بل وتصويره أنه الرجل الذي بدونه يغرق العراق فـ " ما الوزراء عموماً سوى مجرد أشخاص يقبضون معاشات " بحسب تعبيره!، فإن موضوعه الموسوم " لا تخلطوا توطيد السلطة بالدكتاتورية في العراق يعكس الغرض السيئ منه.بصراحة نحن مؤمنون بأن من حق أي طرف الدفاع عن وجهة نظره بالطريقة المناسبة لكن دون الانتقاص من الآخرين، لذا نعتقد أن الترويج لمثل هكذا خطابات في وسائل إعلامنا لا يخدم حل مشاكلنا بل يفاقمها وكم نتمنى لو تم الابتعاد عن مثل هذه اللغة في وسائل الإعلام، دون أن يعني ذلك طمس الحقائق وتزييفها. نحتاج إلى أن يرتقي سياسيونا بنقاشاتهم إلى مستوى من الصراحة والموضوعية تعيد لنا الثقة بأدائهم وبأن خلافاتهم بعيدة عن المصالح الحزبية والنفعية الضيقة وبأنهم فعلاً أهل لقيادة سفينة العراق نحو النجاة،وتمثيل شعبه بمختلف مكوناته خير تمثيل.
كردستانيات :الحقائق والتزييف!
نشر في: 20 مايو, 2012: 08:10 م