أ.د.قاسم حسين صالح شواهد تاريخية انظروا إلى تاريخكم الحديث، تجدوا بين حوادثه الآتي: 1. قتل الملك فيصل الثاني صبيحة 14 تموز 1958، وقطعت يدا الوصي و أيدي آخرين وطاف بها الناس في شوارع بغداد. 2. وقتل في عام 1959، وسحل بالحبال، وعلّق على المشانق، أشخاص في الموصل وكركوك.
3. وقتل عبد الكريم قاسم في رمضان 1963، وقتل في الشهر نفسه تحت التعذيب سكرتير الحزب الشيوعي العراقي وعدد من أعضاء الحزب وهم أحياء، وآخرون محسوبون على نظام قاسم جرى التمثيل بهم.4. وعقب هزيمة الجيش العراقي في الكويت عام 1991، وصل العنف بالعراقيين أنهم وضعوا إطارات السيارات في رقاب عناصر من البعثيين وأحرقوهم وهم أحياء.5. وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في 1988 أبيد أكثر من مئة وثمانين ألف كردي في عمليات الأنفال، وأحرقت آلاف القرى الكردية، فضلا عن مجزرة حلبجة المعروفة.6. وفي عام 2003 اكتشفت العشرات من المقابر الجماعية التي تضم رفات آلاف العراقيين، بينهم نساء وأطفال دفنوا وهم أحياء.وتبين أن السلطة في النظام السابق استعملت وسائل العنف في التعذيب حتى مع من كان موضع شبهة، مثل وضع الشخص وهو حي في الأحماض التي تذيب اللحم والعظم، والكي والحرق وتقطيع الأعضاء.ويخطئ من يرى أن هذا التفنن في العنف كان من مبتكرات النظام السابق، بل هو في الأصل (إرث سيكولوجي) من الأنظمة السابقة التي حكمت العراق، منذ أن صارت بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية لألف عام. ففي هذا الإرث مشاهد من العنف قد تكون أكثر بشاعة وإهانة لقيمة الإنسان، إليكم واحدا منها:في عام 291هج جاء جنود السلطان بالقرمطي (الحسين بن زكرويه) ومعه أكثر من ثلاث مئة من أتباعه، وقد وضعوا في فمه خشبة مخروطية وشدت إلى قفاه كهيئة اللجام. وأمر الخليفة (المكتفي) ببناء دكة في المصلى العتيق. وتجمهر الناس، وجيء بالأسرى يتقدمهم القرمطي، فصعدوا به إلى الدكة وقدّم له أربعة وثلاثون من الأسرى وقد قطّعت أيديهم وأرجلهم وضربت أعناقهم واحدا بعد آخر. ثم قدّم كبيرهم فضرب مئتا سوط، وقطعت يداه ورجلاه وكوي ثم أحرق ورفع رأسه على خشبه، وصلب بدن القرمطي في طرف الجسر الأعلى الواقع في بغداد طبعا.وكان العراقي أكثر بني البشر- في زمانه - تعرضا للقسوة والذلّ والإهانة. ففي زمن الخلافة العباسية فقط، ضرب الحصار على بغداد أكثر من عشر مرات، اضطر الناس فيها إلى أكل القطط. وفي زمن الخلافة العثمانية (حوالي 500 عام) كانت حتى العشائر في الريف تتصارع من أجل السيطرة. وكانت بغداد تنهب وتدمر وتهان لألف عام من الظلم والطغيان وإذلال أهلها من قبل الغزاة. والحقيقة - التي تعيد نفسها اليوم – أنه حيثما حكمت بغداد أو احتلتها سلطة أجنبية، ساد العنف كل أرجاء العراق.إن ممارسة الشخصية العراقية للعنف تقدم، لمن يريد التقاط العبرة، دروسا في الكشف عن أسبابه، وأول هذه الأسباب أن الإنسان ليس مجبولا على العنف، غير أنه يكون أشد ضراوة من الوحش عندما يتعرض إلى (الإحباط اليائس).. أعني عندما يعاق أو يحرم من تحقيق أهداف وإشباع حاجات يراها مشروعة، مصحوبة بمشاعر الحرمان النفسي، وبخاصة عندما يدرك أنه أو جماعته يحصل على أقل من استحقاقه، أو أن جماعته تحصل على أقل مما تحصل عليه الجماعات الأخرى.وثاني هذه الأسباب، أن اللاشعور الجمعي للمجتمع له دور فاعل في تحديد سلوكه الجمعي. وبما أن اللاشعور الجمعي للعراقيين معبأ بالعنف ومبرمج من ألف عام على تشغيله في حل الصراعات، ومشحون بالثأر والحقد، فإن العراقي يستحضر هذا الانفعال – لا شعوريا – في حل أزماته المعاصرة.وثالث هذه الأسباب، أن السلطة في العراق كانت بيد السنّة من ألف عام فيما كان الشيعة في المعارضة، وأن ما حصل الآن هو تبادل للأدوار شبيه، من حيث فعله النفسي، بتبادل دوري السيد والعبد. وهذا يعني أن العنف لا بد أن يحصل في المجتمع المتعدد الطوائف والأعراق، إذا انفردت بالسلطة طائفة أو قومية بعينها.ورابعها، أن وجود الأجنبي في أي وطن كان وبأي مسمّى كان (محتل، محرر، صديق...) تثير في ابن الوطن الإحساس بالذلّ والإهانة والتحقير والاستلاب، وتستنهض فيه – بحتمية نفسية – مشاعر الكرامة وردّ الاعتبار، تدفعه إلى العنف، ليس فقط ضد المحتل بل وضد من يستميلهم المحتل من الناس، خوفا من أن يستفرد المتعاونون مع المحتل بالسلطة وبالمصالح.وخامسها، يذكرنا بواقعة حدثت في احتلال العراق أيضا. فقد زار القائد العسكري البريطاني (لجمن) قبيل اندلاع ثورة العشرين، المرجع الديني (الشيرازي) في النجف وعرض عليه أن يأتيه بمفاتيح روضة الإمامين في سامراء (وهي بيد السّنة) ويعطيها للشيعة، فرفض (الشيرازي) وعاد (لجمن) خائبا، وبعث بطلب الشيخ (ضاري – من وجهاء السّنة) وقال له: كيف تطيعون فتوى الشيرازي وهو مرجع للشيعة؟ فاجاب الشيخ ضاري: والشيرازي مرجعنا أيضا! وهذا هو الموقف الذي نفتقده اليوم، وبدونه تتأجج أسب
ملف "ثقافة اللاعنف فـي العراق"..العنف فـي المجتمع العراقي (2-3)
نشر في: 21 مايو, 2012: 07:24 م