د. سامي عبد الحميد عندما أعلنت إدارة فرقة مسرح شكسبير الملكية في ستراتفورد (ديبرا شو) إقامة مهرجان لإحياء ذكرى الشاعر الانكليزي الخالد (وليم شكسبير) خطر في ذهن تلك السيدة الفاضلة أن تستضيف عدداً من الفرق غير الانكليزية للمشاركة في المهرجان واتفقت مع المخرج العراقي (مناضل داود) على إعداد وإخراج احد نصوص شكسبير المسرحية بما يتناسب والبيئةة العراقية وعلى وفق رؤية خاصة. ولم يجد ( مناضل داود)
أفضل من نص مسرحية (روميو وجولييت) لكونه اقرب النصوص تكيفاً للواقع العراقي حيث تتحكم الخلافات بين العوائل في العلاقات بين الأبناء المتحابين وبالتالي الوقوف ضد المصاهرة. افترض المعد المخرج وجود اخوين عراقيين توارثا سفينة شراعية عن أبيهما وأصبح احدهما الربان. الثاني وأولاده يجلبون الثروة إلى الأول ولا يأخذون إلا القليل الضئيل. وبمرور السنين يزداد الصراع بين الأخوين وتترسخ العداوة وتصبح جزءاً من العادات والتقاليد وتعتبر العلاقات بين أبناء الطرفين كسرا لها وعندما تقام علاقة حب بين (روميو) الذي ينتمي إلى عائلة الطرف الثاني، و(جولييت) التي تنتمي إلى عائلة الطرف الأول يشتد الخلاف ولكنهما يتفقان على الزواج رغم إرادة والديها وبتأثير من (مدرس التاريخ) للدلالة على أن مثل تلك الزيجات قد حدثت في المجتمع العراقي وتحدث، ومع هذا يرفض أبو جولييت وأخوها هذا الزواج وفي شجار بين هذا الأخير وروميو تنطلق رصاصة من مسدس يحمله روميو فيقتل أخ جوليت والذي سبق وان قتل احد أصدقاء روميو، ويفترض المعد / المخرج اختفاء (روميو) في كنيسة سيدة النجاة بعد ذلك الحادث الدموي وعندما يلتقي (روميو) بزوجته (جولييت) في ذلك المكان المقدس يتدخل الإرهاب ويفجر الكنيسة ويروح المحبان ضحية الإرهاب وضحية الخلاف بين الأبوين . عندما سألت المخرج لماذا أبقيت أسماء الشخصيات كما هي في نص شكسبير ولم تحولها إلى أسماء عراقية أجابني يقول إن الإبقاء ضرورة للإحالة إلى النص الشكسبيري، وعندما علقت على قوله بان بيئة العرض كأنها تدل على أن الأحداث تقع في العراق وربما في البصرة وليس في بغداد حيث لا توجد سفن شراعية إلا في شط العرب وفي الخليج وكان تبريره يكمن في الافتراض وليس في الواقع المعيشي، حيث كان يريد أن يجمع بين الواقع والمتخيل، بين ما هو كائن وبين ما يجب أن يكون. عندما تدخلت وسألت (مناضل داود) ما دخل الإرهاب في حكاية (روميو وجولييت) ، أجاب بأنني أردت التأكيد على أن تلك الآفة قد ساهمت في تغذية الصراع الطائفي وأنني أردت أن أدين تدخله وجرائمه التي أودت بحياة الآلاف من العراقيين. أن الفن المسرحي مرآة الواقع التي تكشف ايجابياته وسلبياته ولكي يكون هذا الفن مؤثراً في جمهوره لابد من أن ينقد ما هو سلبي وان يدين ما هو متخلف وإلا سيصبح سطحياً يمر مرور الكرام في أذهان المتفرجين. كشفت مسرحية ( روميو وجولييت) الخلاف بين الطوائف وما أدى إلى توارث وإدانته في مشهدين من مشاهدها: الأول المشهد الافتتاحي حيث يظهر (مدرس التاريخ) على خشبة المسرح ليقول :".. وا أسفا بلادي فإذا أدهاك غدوت قاحلةً لا تشبهين طموحنا. مالي أراكِ تبتهجين للظلام ... كلا لا انتمي إليكم .. أريد رائحة النخيل لا دخان الحروب. اشتهي ليل المحبين... أشهدكم جميعاً على انتمائي الوحيد في بغداد للحب لروميو وجولييت" والمشهد الثاني الذي يختتم به (مدرس التاريخ) العرض المسرحي وبعد مقتل (روميو وجولييت) في الكنيسة حيث يظهر على خشبة المسرح ليلتقط وشاحي الحبيبين وهما كل ما تبقى منهما ويحمله كأنه يحمل جثمانهما ليقدمهما الى والديهما مذكراً إياهما بالفاجعة ... فاجعة الخلاف بينهما. كان بإمكان ( مناضل داود) أن يختار نص مسرحية احمد شوقي (مجنون ليلى) ليقدمه مثيلا لنص شكسبير (روميو وجولييت ) حيث بين النصين الكثير من المشابهات في الأحداث والشخصيات، ولكنه أراد أن يكتب النص الشكسبيري بالذات للواقع العراقي ... واقع الخلاف بين الطوائف الذي يرفضه الجميع وينادي الجميع بإزالته يتجاوزه. مسرحية (روميو وجولييت) في بغداد مثالاً لذلك الرفض أو التجاوز وان اعتقد البعض ممن شاهدوا العرض في بغداد أن مجرد الإشارة الى التنازع على السلطة بين الطائفتين الرئيستين في العراق هو تكريس للطائفية وتذكير بها ولا ادري لم الخشية من نك الجرح ما دام العرض يدين التعصب الطائفي.
لماذا روميو وجوليت في بغداد ؟!
نشر في: 21 مايو, 2012: 07:32 م