TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > بين قوسين :حقهم.. حتى وإن أسموه فساداً

بين قوسين :حقهم.. حتى وإن أسموه فساداً

نشر في: 21 مايو, 2012: 08:11 م

 سعاد الجزائري لا يوجد أقسى من الذل والعوز في آخر العمر، حينما يبدأ الخوف والوهن يزحفان بطيئين الى أجسادنا، فتتضاءل الافعال، ولا تبقى عندنا الا ذكريات ايام كنا نصنع فيها الامال والاحلام.. لا يوجد اقسى من ان تنسانا ايامنا ونركن في دفتر قديم لا يقلب اوراقه احد الا حينما يتذكرون كلمة مدفونة فيه.
كثيرون اولئك الذين شاخوا الان وصاروا ذكرى نستعين بها حينما نريد ان نتحدث عن ايامنا الخوالي، تلك التي كانت الفرحة والحب فيها ممزوجين بنضال اختاروه  لكي يصنعوا غدا لغيرهم..كثيرون اولئك الذين نسوا شبابهم، واختاروا الدروب المظلمة من اجل توزيع بيان، او عقد اجتماع سري، وربما ناموا لايام في سراديب مظلمة بعيدا عن اعين ذئاب الليل الذين حرموهم من عوائلهم واطفالهم.اختاروا الدروب الصعبة التي جعلتهم يغيرون أسماءهم واشكالهم،  لكي يعبروا في ممرات نضالهم العكرة والوعرة، دروب القت بهم لسنوات طويلة في غياهب السجون، بدل ان يعيشوا ربيع عمرهم في ترف وقصص غرام لا تنسى كما عاش باقي البشر..مناضلون، تلك الكلمة لا يستحقها أي كان، فلا يتساوى الذي جاء لقيادة حزب او سلطة دون تعب او جهد، تلك الكلمة تطلق على اولئك الذين ناموا في الظلمات بين زوايا البيوت، او التحفوا السماء بين اخاديد الجبال من اجل قضية وأمل أرادوه للجميع وليس لشخصهم كما نراه في (مناضلي) المصفحات والحمايات، وسكنة القصور الفارهة، التي سيستحقونها لو عاشوا ظلمة السجون والاختفاء لسنوات تحت اسماء عديدة.سنوات انستهم حتى اماكن سكناهم، ولم ينعموا بنمو ابنائهم وهم يكبرون بعيدا عنهم، بل ان بعضهم لم يتعرف عليه ابنه او ابنته حينما التقوا بعد فراق سنوات طوال.كيف نرد لهؤلاء ولو قليلاً مما قدموه لنا، كيف نكرم مناضلي زمن القسوة التي جابهوا فيها الموت بصدور عارية، وتركوا كل حياتهم من اجل حلم الاخرين.في بلدان تعرف قيمة هؤلاء تكرمهم في شيخوختهم، تخصص لهم ضروريات العيش، لكي تعوضهم عن ذل وعوز عاشوه وحرمان مازالوا يشعرونه حتى حينما عمرت موائدهم بالأكل.هؤلاء كانوا في خندق واحد، عربا وكردا، وقوميات اخرى، لم يعرفوا يومها، وهم بين وحشة الجبل وغدر العدو، فرقة او تمييزا بسبب القومية، او الطائفة، او الدين، كانوا جميعا مناضلين حملوا سلاحا بسيطا، وحلما  كبيرا وساروا يحملون ذلك لسنوات طويلة، عرفوا فيها الجوع ورأوا الموت بينهم.. لكنهم لم يسرقوا قوت احد، ولم يتاجروا بالشعب او قضيته، لم يتفرقوا رغم اختلافهم في الكثير من الامور، حتى بينها المبادئ التي يؤمنون بها.. ظلوا معا، وأصبحوا شيوخا معا،  واليوم يتذكرون سنين نضالهم بفرح واسى لان الحياة لن تكون كريمة معهم، ليصلوا الى تلك الايام التي حلموا بها، فالصراعات الحالية هزت ضميرا لا يعرف غير الوطن بديلا لكل مكسب شخصي، يوم نسوا عوائلهم وصعدوا الى الجبال قرب الله لكي يصل املهم بسرعة الى السماء.طريقة هذا الزمن في التكريم تتلاءم وما نعيشه، فقد نشرت جريدة (هولاتي) قائمة باسماء بعض هؤلاء، الذين يتقاضون رواتب من حكومة الاقليم، التي تعاملت مع هذه الاسماء بما يليق بها، ولم تتخل عنهم حينما لم يتخلوا عن الكرد وقضيتهم في زمن الذل، حكومة اكرمتهم وخصصت لهم رواتب تخلوا عنها، ايام نضالهم، من اجل قضية الانسان وحقه، فجاعت بسبب ذلك عوائلهم واطفالهم.الجريدة تضع هذه الأسماء في خانة تريد تصنيفها بالفساد، واستغل هذا الموضوع، بعض تجار الفضائح في الانترنيت، فوصلتني احدى هذه الرسائل التي تشدد على تهمة الفساد، وان هذه الرواتب هي حق للشعب الكردي، بينما اقتسم هؤلاء الجوع واللقمة مع هذا الشعب  حينما جردوه  من كل حقوقه، حتى افسدوا الهواء عليه.حكيمة حكومة اقليم كردستان حينما خصصت لهؤلاء رواتب توفر لهم العيش الكريم في شيخوختهم، وتعوضهم عن جوع قديم.. لقد سترت هذه الحكومة كرامة هؤلاء، ولا يحق لأي كان ان يتهم من حمل حلمنا لسنوات طويلة ان يصمه بالفساد، لان الفساد الحقيقي نراه كل يوم، حيث يتنعم الجهلة واللصوص بالعيش الرغيد، وتحرم رموزنا  النضالية والثقافية والفنية من قوت يكفي يومهم.لهم الحق، بل ومطلق الحق بهذه الرواتب، وشكرا لاقليم كردستان الذي تذكرهم، وهذا حقهم حتى وان اسموه فسادا، فما اشرف الفساد ان كان بهذا الشكل!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

البرلمان يتوعد بـ10 استجوابات: ستمضي دون عراقيل

انتحاريون على أبواب حلب.. ماذا يجري في سوريا؟

الدفاع التركية تقتل 13 "عمالياً" شمالي العراق

مجلس ديالى يفجر مفاجأة: ثلاثة اضعاف سرقة القرن بالمحافظة "لم يُعلن عنه"

الشرطة العراقي يغادر إلى الدوحة لملاقاة بيرسبوليس الإيراني في دوري أبطال آسيا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram