TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية:الخوف من الشعب

أحاديث شفوية:الخوف من الشعب

نشر في: 22 مايو, 2012: 09:34 م

احمد المهنا واحد من أخطر الاضطرارات التي يواجهها شعب من الشعوب هو أن تكون معارضته في المنفى. وهذه كانت الحال معنا أيام عراق صدام. انسدت مجالات السياسة في الداخل فانتقل العمل الى الخارج.ان السياسة هي ادارة مصالح الشعب من خلال الحكم، او العمل على خدمتها من خلال المعارضة. أما المعارضة المنفية فانها قد تستطيع خدمة الشعب من الخارج، ولكن هذه الخدمة ستكون مقصورة على جوانب اعلامية وسياسية محدودة، تتمثل بمحاولات فضح مظالم النظام،
 وكسب منظمات وأحزاب وحكومات ودول الى صفها ضده.اي ان كل العمل المعارض من الخارج يتلخص بمحاولة تعبئة خلق الله ضد النظام الحاكم. وهي مهمة تكون احيانا عسيرة للغاية. وقد كانت كذلك بالفعل عندما كان نظام صدام يحظى بأعلى نسبة من الصداقات في العالم. ولكن المهمة تسهلت عند نشوء التعارض بينه وبين المجتمع الدولي بعد 2 آب 1990. فهنا تولى المجتمع الدولي بنفسه القيام بالمهمة، وأنجزها بصورة لم تكن المعارضة تحلم بها، ففي ظرف شهور قليلة تمت شيطنة نظام صدام.المنفى اذن يحشر المعارضة بأدنى قدر من الأعمال المجدية. كما لا يضمن لها النجاح حتى في هذا القدر القليل. وفوق ذلك تكون حياة المعارضين أنفسهم عرضة للخطر ولظروف العيش الشاقة.وثمة نتائج أخرى تترتب على هذا النوع من العمل السياسي. أهمها البعد عن الخضوع للمراقبة والمحاسبة الشعبية، تماما كالنظام الذي تحاربه. فالنظام الحاكم يمنع ببطشه الشعب من اخضاعه للمراقبة والمساءلة. ومراقبة الشعب ومحاسبته للمعارضة متعذرة موضوعيا، لانفصالهما جغرافيا عن بعضهما البعض.هذا الفصل قد يؤدي الى اشتراك المعارضة في الخارج مع حكومة الداخل، في تبلد "الاحساس" بالشعب، ومن ثم انعدام الإهتمام الفعلي بمشكلاته، وتقزيم دائرة عمل الجانبين بحدود مصالحهما الضيقة، وانحدارهما معا الى الفساد. فالاثنان بعيدان عن الشعب، وحران من المحاسبة، تماما مثلما تكون المافيات والعصابات بعيدة عن حياة الناس العادية ومفصولة عن دوائر المحاسبة المعتادة.وهذه المعادلة ظلت في الواقع تحكم الحياة السياسية العراقية حتى بعد التغيير، ولكن بشكل مقلوب. ففلول النظام السابق دخلت الى أنفاق السرية أو خرجت الى المنفى. ومعارضة الأمس صعدت الى برج السلطة من دون المرور باختبارات مع الشعب. فظروف ما بعد 2003، خاصة الأمنية، ألزمت السياسة الجديدة والسلطة الناشئة بالعمل والحياة في "المناطق الخضراء".ان شيئا لم يجد على نمط الصلة بين السياسي وبين الشعب. فجدران الفصل ظلت باقية، وربما ازدادت سماكة. وكل ما أمكن هو تعويض غياب هذه الصلة الحية بالصلة الاعلامية البديلة. لقد انتهت عروض السياسة الحية بين جماهير الحزب والشارع والمقهى والمؤسسة وحلت بدلها عروض السياسة التلفزيونية. ان احدى نتائج هذا الفصل التاريخي بين السياسة والمجتمع هو تمسك فصائل المعارضة القديمة، بعد انتقالها الى الوطن، بعروة السلطة. فقد اعتادت فكريا ونفسيا وعمليا وحياتيا ووجدانيا على العمل في دوائر السياسة الضيقة. وهكذا نرى الجميع يتزاحم في رحم السلطة، والكل يخشى فض "المشاركة" فيه والخروج منه الى معارضة قريبة من الشعب. 9 أعوام ولا جنين بين الأجنة يقوى على الولادة، أو "الظهور" وسط الشعب "المجهول". والخوف من المجهول حقيقي بقدر ما نوازع التسلط والطمع والأنانية حقيقية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

البرلمان يتوعد بـ10 استجوابات: ستمضي دون عراقيل

انتحاريون على أبواب حلب.. ماذا يجري في سوريا؟

الدفاع التركية تقتل 13 "عمالياً" شمالي العراق

مجلس ديالى يفجر مفاجأة: ثلاثة اضعاف سرقة القرن بالمحافظة "لم يُعلن عنه"

الشرطة العراقي يغادر إلى الدوحة لملاقاة بيرسبوليس الإيراني في دوري أبطال آسيا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram