سرمد الطائي اسمحوا لي ان اختصر الفكرة بلا مقدمات، فعند الحديث عن شريط ساخر كالذي تعيشه السياسة العراقية هذه الأيام، لا يمكن ان ننتظر طويلا حتى نصل الى الاستنتاج. فمنذ 5 شهور والمالكي يسدد "لكمات قوية" تتصاعد وتتسع رقعتها وتشمل كل اركان حكومته الائتلافية. وهذا امر نادرا ما يحصل في ديمقراطيات الدنيا التي نعرف.
اللكمة الأولى كانت من نصيب نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، والتي اخرجت بطريقة سيئة للغاية افقدت كل الحقوق مضمونها سلفا. الضربة الثانية التي لحقتها بسرعة نالت من نائب المالكي صالح المطلك، وبينهما "لكمات" لا تحصى وجهت الى اياد علاوي الذي نطلع هذه الايام على تواقيع امضاها المالكي تنص على منحه منصب رئيس مجلس السياسات. ولن انسى هنا "اللكمة" التي سددها المالكي لعمار الحكيم زعيم المجلس الاعلى فقد جعله يخسر 11 مقعدا حين منحت "بدر" الضوء الاخضر للانفصال عن الحكيم. المالكي لا ينتظر طويلا فمع تصاعد لهجة "المراجعة والمحاسبة" لدى قادة الكتل المتشاورين في اربيل والنجف، قام في يوم واحد بتوجيه ضربتين لرئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني ورئيس البرلمان اسامة النجيفي. وزير نفطنا امر بقطع امدادات الوقود عن الكرد (في فعل يعيد الى الاذهان سياسات بشعة تعرض لها الجميع زمن صدام حسين) ونواب كتلة المالكي راحوا يجمعون تواقيع لإقالة النجيفي.انتم تحسبون معي الان خطوات هي اشبه بمتوالية رياضية، فعمليات "الضرب" تتصاعد بداية من طارق الهاشمي كي تمر بالجميع تقريبا.. وبشكل واضح فإنه لم يبق سوى زعيم التيار الصدري الذي لم يتلق اي ضربة حتى الان بين الزعماء الذين اطلقوا عملية "المراجعة والمحاسبة" لاداء رئيس الحكومة.ليس هناك اذن زعيم من الذين شاركوا في مشاورات اربيل والنجف لم تنله "لكمة" من فريق المالكي باستثناء مقتدى الصدر. واذا صدقت "المتوالية الرياضية" فإننا قد نشهد في اي لحظة اجراء بوجه التيار الذي يمتلك نحو 40 مقعدا في البرلمان، وهو الاقدر على تحريك الجمهور في الشارع. وعلينا هنا ان نحسب بدقة درجة سخونة الموضوع هذه الايام.وبعد كل هذه اللكمات هل هناك من ينتظر "رسالة شافية" من المالكي؟ ألم تصل الرسالة المطلوبة بعد؟المجتمعون في اربيل ارسلوا نقاطا الى الكتلة الشيعية تتحدث عن احتجاجات سجلها الكرد والعراقية ومقتدى الصدر، وراحوا ينتظرون جوابا من "شريكهم". الشريك لم يجب وزعيم التحالف الوطني ابراهيم الجعفري بعث برسالة لا تقول شيئا، كما توضح "رسالة النجف" التي نشرتها المدى الاربعاء. الا ان المالكي اجاب بطريقته الخاصة، وآخر رسالتين كانتا عبارة عن خليط غير متجانس من "بنزين وتواقيع" بين كردستان واقالة النجيفي.اننا امام تطورين لم يسبق لهما مثيل في عاشر اعوام "العملية السياسية". فرسالة المجتمعين في النجف وتواقيعهم عليها، هي اقوى موقف يتخذه زعماء الكتل ضد رئيس وزراء في العراق. كما ان "ردود" المالكي على رسالة شركائه وتتابعها بهذه الطريقة، هي اقوى ردود فعل صدرت عن رئيس وزراء عراقي في التعامل مع منافسيه وغرمائه. كل هذا يحصل في غضون 5 شهور من رحيل الجيش الامريكي!بعد كل ضربة كان المالكي يشعر ان خصومه "فهموا الرسالة" التي تفيد بأنه على استعداد لأن يبلغ بالامور اقصاها. وبعد كل رسالة مليئة بالعتب و"المحاسبة والمراجعة" كان خصوم المالكي كردا وسنة وشيعة، يأملون ان شريكهم "فهم الرسالة" التي تفيد بأنهم على استعداد للذهاب بالامر الى درجة استبداله فيما لو رفض الحوار ورفض الالتزام بمنطق الشراكة.لكن خصوم المالكي يدركون بعد كل "رسائل الود" التي تلقوها وقد يتلقون المزيد منها، ان المالكي غير مستعد للتفاوض حول طريقة حكمه. ولذلك جاءت "رسالة النجف" لتقول ان النقاش حول بقاء او رحيل المالكي انتهى. وطلبت من الجعفري رئيس التحالف ان يشرع باجراءات تقديم خليفة للمالكي. الشركاء يشعرون ان المالكي غادر حقبة الشراكة نهائيا ولن يعود كما كان. وهل يحتاجون الى تأكيد اكثر من تلك "المتوالية العددية" التي اجابهم بها؟ الرسالة التي بعثها المالكي لشركائه انهم مجرد "اسرى في سلطانه" عليهم التقيد بقواعد اللعبة التي يكتبها هو. ولا احد من هؤلاء مستعد لفهم هذه الرسالة بالتأكيد.ما يخصني هو: كيف حسبها المالكي؟ لماذا شعر ان في وسعه اخضاعهم بهذه السهولة؟ من الذي نقر على "زر الارسال" في اللحظة الاخيرة وشجعه على توجيه سلسلة ضربات لن تستثني "حكما" حتى الصدر؟
عالم آخر:لم يبق غير الصدر
نشر في: 24 مايو, 2012: 05:13 م