احمد المهنا لا يوجد شيء سيء إلا ويخرج منه شيء جيد. فالظلم يعلم الناس محبة العدل. العبودية تبعث الأشواق للإنعتاق. النظام يفتقد عند الفوضى. ويلات التعصب تضطر الناس الى البحث عن التسامح. لابد ان كل انسان "عاقل" يفكر بهذه الطريقة. فكيف له أن يفضل الحرب على السلم؟ أو الكراهية على المحبة؟ أو الاستبداد على الحرية؟ أو الشر على الخير؟ ولكن من هو هذا الانسان العاقل الذي لا نشك في سلامة خياراته؟
هذا هو السؤال. واعتقد جازما أنه سؤال الأسئلة في بلد مثل العراق. فقد وهبنا التاريخ والجغرافيا موارد تجعل منا واحدا من أغنى بلدان العالم. ورغم ذلك فشعبنا فقير خلال معظم العهود. هذه اهانة. الإهانة الأخرى هي الاستبداد. ولنا مع هذه "القارعة" أيضا تاريخ. والاستبداد كله سيء، ولا عذر له. ولكنني قد أفهم - وأفهم هذه غير أبرر- رجلا استبد "بذراعه". بمعنى انه وصل الى الحكم بانقلاب عسكري، واستولى على السلطان بمغامرة كان يمكن أن تودي بحياته. وبالتالي يستحيل ان لا يستبد أو أن يفرط بالسلطة الا على جثمانه. ولكن لماذا يستبد رجل جاء الى الحكم بقطار أميركي؟ كل حكومات ما بعد 2003 جاءت نتيجة الغزوالأميركي. والانتخابات كذلك تمت برعاية أميركية. يجب تذكر ذلك دائما. ان عجزنا عن اسقاط صدام، وقيام الولايات المتحدة بالمهمة بدلا منا، ينبغي أن يعلم ساستنا التواضع. وينبغي أن يعلمهم الخجل. ومن هذه الحقيقة علينا أيضا كشعب أن نتعلم التواضع والخجل. صحيح ان هاتين الصفتين مطلبان ضروريان في كل وقت لدى الساسة خصوصا والناس عموما. ولكنهما مفروضتان في بعض الظروف أكثر من بعضها الآخر.هنا ايضا، ومثلما وهبنا التاريخ والطبيعة موارد هائلة، أعطانا الغزو الأميركي هبة جاهزة هي اسقاط الاستبداد. هنا كانت "الحرية" في متناول أيدينا. وبهبات الحرية والطبيعة والتاريخ كان من المفترض ان نصنع العجائب لأنفسنا وبلدنا. لماذا لم يتحقق ذلك؟ بل لماذا استمر الفقر والاستبداد؟ الأسباب كثيرة ولكن خلاصتها هي اساءة استخدام الموارد. من المسؤول عن هذه الاساءة؟ انه "العقل". عقل الذين تولوا مسؤولية حكم العراق، وعقل قيادات "العملية السياسية" المنتجة لهذا الحكم. فلنعترف اذن ان لدينا مشكلة مع "العقل". ونحن جميعا نتفق على ان العقل هو هبة الله العظمى لبني البشر. كما نتفق جميعا على ان العقل لا يعمل دائما بأحسن الطرق، ولا يعمل دائما بأسوأ الطرق، كما لا يعمل اطلاقا في بعض الأحيان. ان سلالة الطغيان تعمل بأسوأ الطرق. وعلى العكس منها تفعل سلالة الحرية. أما العقول المعبأة بأي أفكار فليست عقولا شغالة على الاطلاق. انها معبأة: أي مثل أكياس فارغة وجاء من ملأها بالأشياء.وكل العقول قاصرة أو عاطلة عن العمل، اذا لم تعمل انطلاقا من معرفة تعبت على تكوينها بنفسها، واختبرت بواسطتها الصح والخطأ من الأفعال والأفكار، والخير والشر من القيم، دون ضغط أو توجيه من افراد آخرين، أو مؤسسات أخرى.وقد اعتدنا على موجات تفاؤل بعد سقوط كل مستبد، تعقبها موجات تشاؤم. هذه الاسطوانة ستبقى دائرة اذا لم نحسم مشكلتنا مع العقل، اذا لم يتنور العقل، واذا لم يولد تغيير حقيقي في اسلوب التفكير.
أحاديث شفوية :مشكلتنا مع "العقل"
نشر في: 26 مايو, 2012: 07:16 م