وائل نعمة معدلات الفساد والرشاوى في العراق يتحكم بها العامل الجغرافي. اكتشفت هذا المؤثر الجديد بالصدفة، وليس عن طريق تقارير هيئة النزاهة التي تجري وراء سرّاق الـ"100" ألف دينار، ولا من تحدثنا عن حيتان الفساد وأبراجهم التي تناطح السحاب في دول الجوار، ولا من البيانات الصحفية للجنة النزاهة البرلمانية التي تشعلنا حماسةً كل يوم بأنها سوف تكشف لنا المستور وتظهر ما خفي تحت "العباءة"
دون أن تدير وجهها للضغوط السياسية والحزبية وتنتهي إلى اللاشيء. هذا العامل استنتجته بينما كانت تجمعني وعددا من الأصدقاء الشباب جلسات حوار يتصدر الجانب المالي واجهة الحديث، وعلى الرغم من حداثة تعيينهم في مؤسسات حكومية بـ"رشوى" طبعا إلا أن معظم هؤلاء الأصدقاء يملكون سيارات فاخرة ومنازل ضخمة، وأراض في مناطق إستراتيجية، وهم من عائلات متوسطة، موظفين قدماء ولكن "سايروا التقدم"، كما يقول أولادهم.على الرغم من تعليمهم العالي إلا أنهم لا يخجلون بالحديث عن "تسليك الأمور" في الدوائر الحكومية التي يعملون فيها، ويكتبون أرقاماً مخالفة للحقيقة في "صكوك" وعقود المشاريع الحكومية، ويبررون أفعالهم بمسوغات غريبة، قد تنطلي على كثيرين، ممن يؤمنون بالتوزيع الكيفي للثروة القومية والميزانية السنوية.الغريب أنهم يتجادلون حول مدى شرعية اخذ السلف الحكومية ، ويتخوفون من أن تكون "حرام"، وتنفسوا الصعداء حين أخبرتهم باني أجريت تحقيقا صحفيا مؤخرا وتأكدت من رجال دين – من الطرفين - بأن "السلفة" للمضطر "حلال مية بالمية"، وعادوا ليقنعوا أنفسهم بأن شروط الاضطرار تنطبق عليهم، ونسوا بأنهم يسرقون ويرتشون ويقصرون في أداء عملهم الحكومي وهذا حرام من دون نقاش، أو كما كنت اعتقد، لحين اكتشفت بأني على خطأ – على حسب كلامهم – فهم يصلون ويصومون ويدفعون الأموال للفقراء، وهذا العمل الأساسي والمستمر في حياتهم كما يقولون، بينما الشاذ والاستثنائي هو أخذهم للرشاوى، متمنين من الله أن يتوب عليهم في وقت ليس قريباً إلى أن يؤمنوا مستقبلهم -على حد قولهم - !! وهذا يذكرني بسؤال أرسله عدد من أتباع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يسألونه عن أن بعض المسؤولين يشرعنون أخذهم للرشاوى من مقاولين لتسهيل أمرهم وتشييد المشاريع، ومن جانب آخر هم يتصدقون بهذه الأموال على الفقراء، وكان زعيم التيار حازما حين ردّ على السائلين "أكثرهم كاذبون وسارقون وهادرون لقوت الفقراء والأموال العامة". العامل الجغرافي الذي يتحكم بمعدلات الفساد والرشاوى في العراق والذي أطلقت عليه اسم "الجيو - رشوة"، يدل على الخلفية التي يعتدي بها الموظف على المال العام والمبرر المنطقي – حسب اعتقاده - الذي يدفعه لأخذ الرشوى، فبعض الشباب الموظفين ممن يعيشون في منطقة مكتظة بالسكان ويتشاطر المنزل الصغير 20 فردا، يقولون : لن نكرر هذه التجربة، سنسعى بأي طريقة لتأمين بيت، ونهرب من المنطقة المزحومة". بينما شباب يعيش في جو أفضل ينظر إلى حال المتقاعدين ومآسي الطابور الطويل والراتب الضعيفة ويفكر بأن لا يكون في يوم من الأيام بهذا الموقف لذلك يؤمن البيت وأموالا في المصرف قبل التقاعد بأي طريقة. وفريق آخر يسكنون في مناطق راقية يفكرون بالسفر إلى تركيا وأوروبا في كل سنة، ويؤمنون الصرفيات من المال العام.
من داخل العراق: "الجيو- رشوة"
نشر في: 26 مايو, 2012: 07:49 م